فصل: الثامن فــي موانع قبول شهادة العدول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الـــباب السابـــع فــي اشتراط العدد والذكورة

قاعدة‏:‏ الشهادات لما كانت أخبارًا عن ثبوت الحكم على معيَّن، وهو مظنة العداوة بينه وبين الشاهد ولو على وجه يخفي إسقاطها صاحب الشهادة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ بينه وبينهما بخلاف الرواية وهي إخبار عن ثبوت الحكم ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ يتهم أحدا في معاداة الخَْلق إلى قيام الساعة فاكتفى بعداوة الشخص، وأما ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الأحكام البدنية عن علمِه، ومن ذلك الترجمة لقول الخصم، يجوِّز عبد الملك الواحد العدل والمرأة الواحدة إذا كان مما تقبل فيه شهادة النساء، ومنع سحنون ترجمة النساء، والعبد الواحد، وقال عبد الملك‏:‏ يقبل الطبيب الواحد في عيوب الرقيق وإن كان غير مسلم؛ لأنه علم يؤخذ عمن هو عنده، مرضي أو غير مرضي ما كان العبد حاضرًا، فإن غاب أو مات انتقل إلى باب الشهادة عند عبد الملك فلا بد من رجلين، فإن كان مما لا يطلع عليه الرجال‏:‏ قُبل فيه قولُ امرأة، فإن غابت الأمة أو فاتت‏:‏ لم تقبل فيه إلا امرأتان‏.‏ قال صاحب البيــان‏:‏ قال مالك وابن القاسم‏:‏ لابد في القافة من العدالة، واشترط ابن القاسم مع أنه يكتفي بالواحد استحسانًا؛ لأن القائف عنده علم يُخبر به، فهو كالطبيب يُقبل قولُه وإن كان كافرًا، وعن مالك‏:‏ يقبل القائفُ الواحد‏.‏

فـــرع مرتـب

في البيــان‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا استودع صبية مملوكة فمات الذي هي عنده، فشهدت البينةُ أنه أقر بصَبية وديعة لك، وعنده ثلاث صبايا، ولم تُعين البينة المقَرَّ بها‏:‏ قال‏:‏ بطلت الشهادة لعدم التعيين ولم يحكم فيها بالقافة كما حكم فيما إذا وضعت امرأتك مع حوامل واختلطَ الصبيان، فقيل‏:‏ اختلاف من قوله، وقيل‏:‏ الفرق، وهو الأظهر أن الثانية نسب، فدخلت القافة، والأولى مال، والفاقة لا تدخل في الأموال؛ لأنك لو ادَّعيت ولدَ أَمَة فقال‏:‏ زوجتنيها فولدت هذا الولد مني، وادَّعيت أنه ولد من زنا؛ لم يحكم به لمُدَّعِيه بالقافة‏.‏

تنبيه‏:‏ وافقنا على الحكم بالقافة ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الحكم باطل، قال ابن القصار‏:‏ إنما يجيزه مالك في ولد الأمة يطؤها رجلان في طهر، وأتت بولد يشبه أن يكون منهما، والمشهور‏:‏ عدم قبوله، وأجازهُ ‏(‏ش‏)‏ فيهما لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ ‏(‏دخل عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تَبْرقُ أسارِيرُ وجهه فقال‏:‏ ألمْ تَرَ أنً مُجززًا المُدلجي نَظَرَ إلى أُسامة وَزيدِ عليهما قطيفة قد غطيا رَأْسَيْهِمَا وبَدَتْ أقدامهما فقال‏:‏ إن هذه الأقدام بعضُها من بعض‏)‏ وسبب ذلك‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبنى زيد بن حارثة، وكان أبيض وابنه أُسامة أسود، فكان المشركون يطعنون في نسبه، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانهما منه، فلما قال مجزز ذلك سُر به صلى الله عليه وسلم، وهو يدل من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه لو كان من الحدس الباطل شرعا لما سُرَّ به صلى الله عليه وسلم به؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يُسَرُّ بالباطل، وثانيهما‏:‏ أن إقراره صلى الله عليه وسلم من جملة الأدلة على مشروعية ما أقر عليه، وقد أقر مجززًا على ذلك فيكون حقًّا مشروعًا؛ لا يقال‏:‏ النزاع إنما هو في إلحاق الولد، وهذا كان ملحقًا بأبيه بالفراش، فما تعين محل النزاع، وأيضًا سروره صلى الله عليه وسلم لتكذيب المنافقين؛ لأنهم كانوا يعتقدون صحة القيافة‏.‏ فتكذيب المنافق سار بأي سبب كان؛لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر‏)‏ فقد يفضي الباطل للحسن والمصلحة، وأما عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم‏:‏ فلأن مجززا لم يتعين أنه أخبر بذلك لأجل القيافة، فلعله أخبر به بناء على الفراش؛ لأنه يكون برقهما، قال أصبغ‏:‏ لو أعتقت عبدين، مرادنا هاهنا ليس أنه ثبت النسب بمجزز، إنما مقصودنا‏:‏ أن الشبه الخاص ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ وأما سروره صلى الله عليه وسلم لتكذيب المنافقين‏:‏ فكيف يستقيم السرور مع ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ عند التكذيب، كما لو أخبر عن كَذِبِهم رجل كذاب، وإنما يَثْبُتُ كَذِبُهم إذا كان المستند حقًّا، فيكون الشبه حقا وهو المطلوب، وبِهذا التقرير يندفع قولُكم‏:‏ إنَّ الباطل قد يأتي بالحسن فإنه على هذا التقرير ما أتى بشيء، وأما قولكم‏:‏ أخبر به لرؤية سابقة لأجل الفراش، فالناس كلهم يشاركونه في ذلك، فأي فائدة باختصاص السرور بقوله لولا لأنه حكم بشيء غير الذي كان طعنُ المشركين ثابتًا معه‏,‏ ولا كان لذكر الأقدام فائدة، وحديث العَجْلاني قال فيه صلى الله عليه وسلم بعد التلاعن‏:‏ ‏(‏إن جاءت به على نَعتِ كَذا وكذا فَمَا أراه إلا قد كَذَب عليها، وإن أتت به عَلَى نَعت كَذا فهو لِشَريِك، فلما أتت به على النعْتِ المكروه‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لولا الإيمان لكان لي ولها شأن‏)‏ فصرح صلى الله عليه وسلم بأن وجود صفات أحدهما في الآخر يدل على أنَّهما نسب واحد، ولا يقال‏:‏ إن إخباره صلى الله عليه وسلم كان من جهة الوحي؛ لأن القيافة ليست في بني هاشم، إنما هي في بني مدلج، ولا قال أحد‏:‏ إنه صلى الله عليه وسلم كان قائفا، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم به لِشَرِيكٍ، وأنتم توجبون الحكمَ بالشبه، وأيضا‏:‏ لم يَحُدَّ المرأة، فدل ذلك على عدم اعتبار الشبه؛ لأنا نقول‏:‏ إن جاء الوحي فإن الولدَ لم يشبهه، فهو مؤسس لما يقوله، وصار الْحُكم بالشبه أولى من الْحُكم بالقرائن؛ لأن الفراش يدل من جهة ظاهر الحال، والشبه يدل على الحقيقة، وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يُعط علم القيافَة فممنُوع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ علوم الأولين والآخرين، سلمناه، لكنه أخبر عن ضابط القيافين‏:‏ أن الشبه متى كان كذَا فهم يحكمون بكذا؛لا أنه ادَّعى علم القيافة كما يقول الإنسان‏:‏ الأطباء يداوون المحمومين بكذا وإن لم يكن طبيبًا، ولم يحكم بالولد لَشريك؛ لأنه زانٍ، وإنما يحكم بالولد في وطء الشبهة أو بملك، كما إذا وطئها البائع والمشتري في طهر، وأما عدم الحد‏:‏ فلأن المرأة قد تكون من جهتها شبهة أو مكرهة‏,‏ أو لأن التعين يسقط الحد؛لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ويَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَنْ تشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَات‏)‏ الآية لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحكم بعلمه‏.‏ ولنا أيضا‏:‏ أن رجلين تنازعا مولودا فاختصما لعمر رضي الله عنه، فاستدعَى له القافة فألحقوه بِهما، فَعَلاَهُما بالدِّرَّة، واستدعى حرائر من قريش فقلن‏:‏ خلق من ماء الأول، وحاضت على الحمل، فاستحشف الحمل، فلما وطئها الثاني انتعش بمائهِ فأخذ شبها بِهما، فقال عمر الله أكبر، وألحق الولد بالأول، ولأنه عِلْمٌ عند القافة من باب الاجتهاد فيعتمد عليه كالتقويم في المتلفات، وتقدير نفقات الزوجات، وخرص الثمار في الزكاة، وتحديد جهة الكَعبة في الصلوات، وجزاء الصيد‏.‏ فكل ذلك تخمين وتقريب، ولما قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الشبه غير معتبر‏.‏ قال‏:‏ يلحق الولد بجميع المنازعين خلافًا لنا ولـ ‏(‏ش‏)‏‏.‏ ويدل لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا خَلَقْنَاكُم من ذَكرٍ وأُنْثَى‏)‏ أي كل واحد من ذكر وأنثى، ولأنه العادة، وقوله

تعالى‏:‏ ‏(‏وَوَرِثَهُ أَبواهُ‏)‏ يقتضي جميع ذلك أن لا يكون له آباء، وقوله تعــالى‏:‏ ‏(‏أن اشْكُر لي وَلِوَالِدَيْكَ‏)‏‏.‏ احتجوا‏:‏ بما في الصحاح‏:‏ ‏(‏أن رجلا حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أن امرأته ولدت ولدا أسود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل في إبلك من أورق‏؟‏ فقال‏:‏ نعم فقال‏:‏ وما ألوانُها‏؟‏ فقال‏:‏ سود، ثم قال له‏:‏ فما السبب في ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ لعل عرقا نزع به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فلعل عرقا نزع‏)‏ فلم يعتبر حكم الشبه، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الولد للفراش‏)‏ ولم يفرق، ولأن خلق الولد مغيب عنا، فجاز أن يُخلق من رجلين، وقد نص عليه سقراط في كتاب ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الحمل على الحمل، ولأن الشبه لو كان معتبرا لبطلت مشروعية اللعان واكتفى به ولا زيدا حكم له مع الفراش فلا يكون معتبرًا عند عدمه كغيره، ولأن القيافة لو كان علمًا لأمكن اكتسابه كسائر العلوم والصنائع‏.‏

والجــواب عن الأول‏:‏ أن تلك الصورة ليست صورة نزاع؛ لأنه كان صاحب فراش، إنَّما سأله عن اختلاف اللون، فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلـم السبب‏.‏

وعــن الثانــي‏:‏ أنه محمول على العادة في أن الولد لفراش واحد‏.‏

وعـــن الثالث‏:‏ أن خلاف العادة، وظواهر النصوص المتقدمة تأباه‏.‏

وعــــن الرابع‏:‏ أن الحكم ليس مضافًا إلى شاهد من شَبَهِ الإنسان يجمع من الناس، إنما يضاف لخاصية أخرى يعرفها أهل القافة‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن القيافة إنما تكون حيث يستوي الفراشان، واللعان يكون لما شاهده الزوج، فهما بابان متباينان،لا يسد أحدُهما مسد الآخر‏.‏

وعن السادس‏:‏ الفرق‏:‏ أن وجود الفراش وحده سالم عن المعارض يقتضي استقلاله، بخلاف تعارض الفراشين‏.‏

وعن السابع‏:‏ أنه قوة في النفس، وقوى النفس وخواصها لا يمكن اكتسابها، وأمَّا عن قول ‏(‏ش‏)‏ إنَّ الأَمةَ يصح أن يملكها جماعة ملكا صحيحا في وقت واحد، ويطأها جميعهم بالشبهة فقد استووا، فاحتاجوا إلى المرجح، والنكاح لا يثبت على امرأة لاثنين في وقت‏.‏ ولأن ولد الزوجة لا يسقط نسبه إلاَّ باللعان، فهو أقوى، فلا تندفع بالقافة بخلاف الملك لا يشرع فيه اللعان‏.‏

احتجــوا‏:‏ بأن عمر رضي الله عنه أجاز القافة في ولد الزوجات، ولأن الشبه مرجح، فإذا تعادلت الأسباب رجح به‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه إنما فعل ذلك في أولاد الحرائر من الزنا في الجاهلية‏.‏

وعن الثانــي‏:‏ أنه لا بد أن يكون أحدهما أقوى بخلاف الملك‏.‏

قاعــدة‏:‏ قول العلماء‏:‏ منشأ الخلاف في اشتراط العدد، هل هو من باب الشهادة أو من باب الرواية‏؟‏ في غاية الإشكال في الخفي‏.‏ وطلبته نحو ثمان سنين فلم أجده إلا بعد ذلك، ووجدت المازري بينه في شرح البرهان، ووجه الإشكال‏:‏ أن قولنا‏:‏ هل هذا من ذلك الباب أو من هذا الباب، فـــرع تصور حقيقة كل واحد منهما وضابطه، كما أن قولنا‏:‏ العبد، متردد بين المالية والآدمية‏.‏ فـــرع تصورهما‏.‏ فما ضابطهما، وبعضهم يجيب بأن الشهادة التي فيها العدد، والحرية لا تفتقر لذلك‏,‏ وهو باطل؛ لأن اشتراط العدد

والذكورية فـــرع كونهما شهادة أو رواية، فتعريفهما بذلك دَور، والذي قاله المازري رحمه الله متعلَّق الخَبَر إن كان خاصًّا مطلقًا فهو شهادة اتفاقًا، كإثبات الحكم على زيد لِعَمْرو، أو عامًّا مطلقًا فهي رواية إجماعًا، نحو‏:‏ ‏(‏الأعمالُ بالنِّيَّات‏)‏ فإنه يشمل الأمصار والأعصار إلى يوم القيامة، وتقع صورة عامة من وجه، خاصة من وجه يختلف فيها وجود الشائِبتين، فمن غلَّب إحداهما ألحق تلك الصورة بباب تلك الشائبة، كالشهادة على هلال رمضان؛ لأنه لا يتعدى تلك السنة عام؛ لأنه يشمل جملة الإقليم، وكالقائف، والمقدم، والترجمان، ونحوهم من جهة أن الحاكم نصبهم للناس، جهة عموم لا يخص النصب أحدا دون أحد، ومن جهة أن قضاءهم إنما يقع على معين هو جهة خصوص، فصار العموم هو ضابط الخبر، والخصوص ضابط الشهادة، وحينئذ يتجه اشتراط العدد لتوقع التهمة بالعداوة بين العدل وبين ذلك الخاص، فاستظهر بآخَرَ معه ومع العبد لتوقع منه الأنفقة لنفاستها، والنساء غير موثوق بحفظهن لضعف عقلهن، وإليه الإشارة بقوله تعالى ‏(‏أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّر إِحْدَاهُمَا الْأُخرى‏)‏‏.‏

وفــي الباب فروع ثلاثة‏:‏

الفرع الأول

في الكتاب‏:‏ تقع شهادة النساء في الحدود، والقصاص، والطلاق، والنكاح، والنسب، والولاء مع رجل أم لا، وإنما تجوز حيث ذكرها الله في الدين وما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة، ويَحْلف الطالب مع امرأتين في الأموال ويقضى له، وتجوز في المواريث في الأموال إذا ثبت النسب بغيرهن، وقتل الخطأ؛ لأنه مال، وقال سحنون‏:‏ إنما أُجِزن في الخطأ والأموال للضرورة في فَواتها، فأما الجسد فهو يبقى، فإن شهد رجلان على رؤية جسد القتيل والجنين، وإلاَّ لم تجب شهادتهن‏.‏ في النكت‏:‏ قيل‏:‏ معنى شهادتهن في المواريث‏:‏ أن يترك الميت أخوين فيختلفان في أقعدهما بالميت، فيشهد أنه أقعد بأن يكون نسب الوارث ثابتا فشهدن بحضرة الورثة‏.‏ فيجوز مع يمين الوارث أو الورثة، ويجوز أيضًا في ذلك مع رجل، وقال ابن يونس‏:‏ قول سحنون خلافُ رواية ابن القاسم، فعن ابن القاسم‏:‏ إذا شهدت المرأتان على الاستهلال، وعلى أنه صبي تجوز مع اليمين، وعنه‏:‏ القياس أن لا تجوز؛ لأنه يصير نسبا قبل أن يصير مالا، فبأي شيء يرث ويورث إلاَّ أن يكون لا يبقى إذا أخر دفنه إلى أن يوجد الرجال، فتجوز شهادتهن، قال ابن القاسم‏:‏ وكذلك المرأة تلد ثم تموت هي وولدها في ساعة، يحلف أبو الوصي أو الورثة مع شهادة النساء أن الأم ماتت قبله، أو مات قبلها، فيستحقون الميراث منه؛ لأنه مال، ومنع سحنون وأشهب ومحمد ذلك؛ لأن الجسد يفوت، والاستهلال يفوت، إنما يرث عند أشهب وسحنون على أنه أنثى، وعن ابن القاسم في وصايا المدونة‏:‏ إذا مات رجل فشهد على موته امرأتان ورجل، ولم يكن معه زوجة، ولا أوصى بعِتق، ولا له مدبَّر، وليس إلا مال يقسم، جازت الشهادة، قال ابن القاسم‏:‏ وتمنع شهادتهن مع رجل على العفو عن الدم، كما تمنع في دم العمد، وتجوز في قتل الخطأ وجراحه؛ لأنه مال، وإن شهدن مع رجل على منقَّلة عمدا أو مأمومة عمدًا جازت شهادتُهن في القصاص فيما دون النفس وثبت على المنع قال‏:‏ وأصلنا‏:‏ جوازها فيما يجوز فيه الشاهد واليمين، قيل لسحنون‏:‏ فأنت تجيز الشاهد في قتل العمد مع القسامة، ولا تجيز فيه المرأتين من القسامة، فقال‏:‏ لا يشبه هذه يمين واحدة‏,‏ والقسامة خمسون يمينا، وفي المــوازية‏:‏ تجوز شهادةُ امرأتين وَحدهما على الجرح مع يمين المجروح، وعلى القتل في العمد والخطأ، وكونه فيه القسامة فيمن ظهر موته، ولا تجب بشهادة امرأة واحدة على القتل قسامة خلافا لأشهب، قال عبد الملك‏:‏ ما جاز فيه شاهد ويمين جاز فيه امرأتان مع يمين، قال مالك‏:‏ وتجوز شهادتُهن فيما يؤدِي إلى طلاق وعتق، ويقتضي عتق واحد، كشهادتِهم بشراء الزوج لامرَأته فيحلف وتصير ملكا له، فيجب بذلك الفراق، أو على أداء الكتابة فيتم العتق، وكشهادتِهن مع يمين بدين متقدم على العتق فيرد العتق، وكشهادتِهن مع رجلان المقذوف عبد فيزول الحد‏.‏

الفرع الثانـي

في الكتــاب‏:‏ لا تجوز شهادة امرأتين مسلمتين في الوِلادة والاستهلال و‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ تقبل حينئذ شهادة النساء وحدهن، لا يقبل فيه أقل من امرأتين، وتمتنع شهادة النساء وحدهن أو مع ‏[‏‏.‏‏.‏‏]‏ وصيٍّ إن كان في الوصية عتقٌ أو أبضاع النساء، وقال غيره‏:‏ لا تجوز في الوصية ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ لأنها ليست مالاً، قال سحنون‏:‏ الوصية والوكالة ليستا مالاً، ولا يحلف وصيٌّ أو وكيلٌ مع شاهد رب المال أن المال لغيرهما، وتجوز شهادتُهن أن فلانا أوصى له بكذا مع يمينه، ولو كان مائة امرأة يحلف معهن ولا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ واحدة؛ لأنها نصف رجل، وإن شهدن لعبد أو امرأة أو الذمي حَلَفَ واستحق، ولا يحلف الوصي حتى يسمع لعدم الوازع الشرعي في حقه، وإن كان في الورثة أكابر، حلفوا وأخذوا مقدار حقهم، فإن نكلوا وبلغ الصِّغارُ حلفوا واستحلفوا حقهم، وإن شهد رجل وامرأتان على رجل بالسرقة، ضمن المال ولم يُقطع، لأنه حكم مدني، ولو شهد عليه رجل واحد حلف الطالب وضمن المال المسروق ولم يُقطع كما لو شهد واحد أن عبد فلان قتل عبدًا عمدًا أو خطئا، فإنه يحلف يمينا واحدة ويستحق العبد ولا يقبل في العمْد‏.‏ في التنبيهات‏:‏ في الموازية‏:‏ تمتنع شهادتُهن في الوكالات على المال، وجوز ابن القاسم تعلمهن الشهادة، واستدل بذلك على جواز نقل الرجل الشهادة عمن لا يَعْدِّلْنه؛ لأن تعديل النساء لا يجوز باتفاق، وهو لا يصح؛ لأن منع تعديلهن إنما هو السُّنَّة، إذ قد يكون الرجل معروف العدالة، وليس كل من يشهد على شهادة غيره تُعرف عدالتُه، وقد قيل‏:‏ إذا لم يعدل الفرع الأصل فهي ريبة، والصواب‏:‏ الجواز، وقوله‏:‏ يمتنع في الوصية فيها عتق، ظاهره‏:‏ منعها في الجميع، وعليه حمله شيوخُنا، وهو خلاف أصله في الشهادة إذا ردت للسُّنَّة لا للتهمة أنها تجوز فيما لا يرد فيه، كقوله في السرقة‏:‏ يضمن المال دون القطع، وقوله في شهادة رجل في وصيته فيهما عتق ووصايا بمال‏:‏ تجوز في المال دون العتق‏.‏ وأبضاع الفروج، البُضع بضم البَاء‏:‏ الفرج، يريد الوصية بإنكاحهم‏.‏

في النكــت‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا شهدتا على الاستهلال، وأنَّ المولودَ ذَكَرٌ، جاز، وتكون مع شهادتِهن اليمين‏.‏ وفي المدونة في الوصايا‏:‏ إذا شهد النساء مع رجل على موت ميت إن لم يكن إلا قسم المال، جاز، وهذا البدن غير حاضر، وقال ابن القاسم في شهادة على الولاء‏:‏ يُؤخذ به المال، ولا يَثبت به الولاء، أو على رجل أنه تزوج امرأة وقد ماتت‏:‏ أنه يرها، وقال أشهب في جميع هذا، وقوله‏:‏ تمتنع شهادتُهِن في الوصية فيها عتق، هذا على وجه إن كان للموصي مدبَّرون، أو مكاتِبون، أو أم ولد، أو زوجات لا يضرهن؛ لأن هذه معلومة بالبينة، ولا حكم للوصيِّ في ذلك، فتجوز شهادتُهن، وإن كان فيها عتق غير معين امتنعت؛ لأنها تصير على العتق، والوصي إذا اشترى رقبة يُخيَّر بين عتقها وعتق غيرها، فصارت شهادة على العتق، أو بعينها جازت الشهادة؛ لأنه حكم للوصيِّ في ذلك‏.‏ وإن كان له بنات ثُيَّب فلا وصية عليهن، وفي الأبكار‏:‏ النظر للسلطان، ويبقى نظره في غير ذلك من المال، ولا تبطل الشهادة كلها، وأما شهادتُهن مع رجل على موت رجل له مدبَّر أو أم ولد، أو زوجة، أو نحو ذلك فلا تجوز الشهادة، وإن كان إنما هو قَسم المال جاز عند ابن القاسم، قال التونسي‏:‏ كل مالا يطلِّع عليه الرجال، حكم امرأتين فيه حكم الرجلين، ولا يحتاج إلى يمين، كعيب بالفرْج، والسقط وعيوب النساء، والرضاع، وزوال البكارة، ونحوه مما لا يطلِّع عليه المشهود له، وأما غيره فلا بد من ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ رجاء الستر عليها، أو على أنه اشترى جارية على أنها بكر فقال‏:‏ وجدتُها ثيبًا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أنَّ افتضاضَها قريب، حلف البائع مع شهادتِهما وردها، قال‏:‏ وفيه نظر؛ لأن القائم‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ يدعي علم ما شهدن له به، فالواجب على قَوْلِه أن يحلف ولا يحلف، وإذا شهد رجلان على إِقْراره بالوطء، وامرأة على الولادة، حلف لأن المرأة في هذا كالرجُل، ولو شهدت امرأتان بالولادة كانت على أم ولد، واختلف فيما تجوز فيه شهادة امرأتين‏.‏ هل تنقل عن المرأة امرأتان‏؟‏ أجازه أصبغ كالرجال ومنعه ابن القاسم لعدم الضرورة في النقل ولم يجزن إلاَّ للضرورة، فلا بد من رجل معهن في النقل، وقيل يمتنع النقلُ مطلقًا؛ لأنه ليس بمال، وتمتنع في المدونة‏:‏ شهادتُهن في جِراح العمد مع تجويزه فيها للشاهد واليمين، وجوزهن سحنون في كل ما يجوز فيه الشاهد واليمين وجوز في المدونة‏:‏ القَسامة بشهادة امرأتين، ومنعه في المدونة، ولو شهدتا مع رجل على قتل رجل عمدًا‏:‏ قال‏:‏ لا بد من القسامة، وقال ابن يونس‏:‏ يُلحق بعيوب الفرج‏:‏ معرفةُ الحيض، وحبس الحمل، ولم يجعل للواحدة أصل في مال ولا غيره، فلو سلك بالمرأتين مسلك الشهادة على المال، فتكون فيه اليمين، وعن مَالك‏:‏ إذا شهد رجل وامرأة على الاستهلال لم تَجُز شهادتُهما لارتفاع الضرورة بحضور الرجال بمسقطة شهادة المرأة، وبقي الرجل وحده، وجوزه ابنُ جبيب لأنه أقوى من شهادة امرأتين، وروى ابن وهب أن أبا بكر وعمر وعليا أجازوا شهادة المرأة وحدها، فكيف بهذا‏؟‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ لا تجوز شهادتهن في الإحصان، قال اللخمي‏:‏ يختلف في شهادة النساء وقَبولهن وحدهن واليمين وغيرها بحسب اختلاف المشهود فيه‏.‏ وهو ستة عشر قسما‏:‏

الأول‏:‏ الأموال كالبيع، والقِراض، والقَرض، والوديعة، والإجارَة، والكفالة بالمال، ودية الخطأ والعمد الذي لا قَوَدَ فيه‏.‏ الثاني‏:‏‏:‏ الشهادة على النكاح، والطلاق، والرجعة، والإحلال، والإحصان، والعتق، والولاء، والنسب، والسرقة، والموت‏.‏ الثالث‏:‏‏:‏ ما هو ما ويؤدي إلى ما ليس بمال مما يتعلق بالأبدان من عتق أو طلاق، وعلى دفع الكتابة، وعلى بيع العبد من أبيه أو ابنه أو أمه من زوجها‏.‏ الـرابع‏:‏ ما ليس بمال ويؤدي إلى مال، كالوكالة بمال، والنقل عمَّن شهد لك بمال، وكتاب القاضي المتضمن بمال، والنكاح بعد موت الزوج أو الزوجة، أو أن فلانًا أعتق هذا الميت، أو أنه ابن فلان أو أخوه، ولم يكن هناك ثابت النسب‏.‏ الخامس‏:‏ التاريخ بما يتضمن مالا، ويؤدي إلى ما يتعلق بالأبدان كتاريخ الحالف بطلاق أو عتق‏:‏ ليقضين فلانا رأس الشهر، فشهد بأنه قضى قبله، أو أن عليه دينا وقد أعتق عبده، ولمن وطئ أمة أنه ابتاعها من سيدها قبل ذلك‏.‏ السادس‏:‏ قتل العمد‏.‏ السابـع‏:‏ جراح العمد‏.‏ الثامن‏:‏ الزنا‏.‏ التاسع‏:‏ الإقرار بالزنا وعلى كتاب القاضي بالزنا وأن القاضي حدَّ فلانًا، أو على معتق أنَّ سيدَه كان تبرأ من زِناه في حين بيعه‏.‏العاشـر‏:‏ ما لا يحضره غير النساء، كالولادة، والاستهلال، والحيض ونحوه الحادي عشر‏:‏ النقل عمن شهد منهن بمثل ذلك‏.‏ الثانـي عشر‏:‏ ما يقع بينهن فيما يجتمعن له كالصنيع، والمأَتم، والحمَّام من الجِراح والقتل‏.‏ الرابع عشـر‏:‏ الترجمان، والقائف، والطبيب، ومقوم العيب، والقاضي ومكشفه يسأل عن الرجال عن التعديل والتجريح لا على وجه الشهادة‏.‏ الخامس عشــر‏:‏ الاستفاضة يشهد عليها‏.‏ السادس عشر‏:‏ الشهادة على السماع بالأموال تستحق بأربعة أوجه‏:‏ رجلين، ورجل وامرأتين، ورجل واليمين، وامرأتين ويمين، والنكاح ونحوه بوجه واحد‏:‏ رجلين ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ به المال، ولا بد في القطع من رجُلين، وما يؤدي إلى غير المال ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ رجل وامرأتين على أنه وصي بخمسين بشرا‏.‏ رقبة للعتق منع ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ عتقها إلا بشهادة رجلين والعبد المعين يجوز‏.‏ وأجازه مالك مطلقا، كما لو ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فلانا رقبة للعتق وغير المال يؤدي إليه، أجاز ابن القاسم من النساء نظرا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ واختلف في التاريخ كذلك فنفذ مالك ابن القاسم، ومنع غيرهما لأن الوقت ليس ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ كالنكاح، وفي جَرح العمد ثلاثة أقوال‏:‏ ففي كتاب الأقضية‏:‏ منع القطع بشاهد ويمين كالقتل، وقال في كتاب الشهادات‏:‏ كل جرح لا قصاص فيه كالجائفَة يجوز فيه الشاهد واليمين؛ لأنه مال، وقيل‏:‏ يجوز فيما ظهر من الجراح دون وأكثر الشاهد واليمين فيلحق بالحدود، وقيل‏:‏ فيما كان من الشتم دون القذف يجوز فيه الشاهدُ اليمين، ويعاقب المشهود عليه لما كان في الحرمة دون القذف، وقيل‏:‏ لا بد من رجلين؛ لأنه بدني، وعلى القول بأنه يقبض بشاهد ويمين، برجل وامرأتين ووأما الزنا إن كان على المعاينة فلا بد من أربعة، أو على أيِّهما كرها، فَعَلَى القول بالحد مع الإكراه فَعَلَى المعاينة‏,‏ وعلى الآخر يُجزئ رجلان، وتستحق المرأة الصداق على المكره، والمقر بالزنا إذا رجع، ولم يأت بعذر فتقبل شهادة رجلين في حده، ويحد المشهود عليه بكتاب القاضي مهما، ولا حد على قاذف المشهود عليه، وقيل‏:‏ لا يقبل في ذلك إلا أربعة، قاله محمد إن كان ثبت عند الأول بأربعة، ويحد الشاهدان، وإذا قال قاذف‏:‏ إن فلانا الوالي عرف المقذوف فلا بد له من أربعة على فعل القاضي، قاله محمد ومالك، وهو ظاهر القرآن‏.‏ وفي الواضحــة‏:‏ يُحد القاذف دون الشاهدين لأنَّهما لم يشهدا على رؤية، قال أبو مصعب، ولا القاذفُ أيضا؛ لأنه أثبت ما ادعاه، وعلى القول بحد المقر هاهنا، يُحد إن شهدا عليه بالطلاق الثلاث وأنكر واعْتَرَف بالوطء، أو بعتق أمته فأنكر، واعترف بالوطء، وعلى القول بعدم الحد‏:‏ لا يُحد هؤلاء إلاَّ أن يشهد أربعة على الأصل، وقال محمد‏:‏ لا يُقام الحد على السيد لإمكان نسيان العتق، وإن شهد أربعة بالطلاق وأقر بالوطء حُد، قاله محمد، وقال مالك‏:‏ لا يُحد، والأصحاب على الأول، وإن شهدت امرأتان أن الولد ذكر، فثلاثة أقوال، وقال ابن القاسم‏:‏ يحلف الطالب ويستحق، فجعلهما لرجل؛ لأن الذكورية مما يمكن إطلاع الرجال عليه، وهي شهادة على ما ليس بمال يستحق به مال، وأبطلها أشهب؛ لأنها ليست مالا على أصله، وقال أصبغ‏:‏ إن مات بالدين وطال أمره، والمستحقُّ بيت المال أو القرابة البعيدة جاز، أو لبعض الورثة دون بعض امتنع لفوته، وإذا كان العيب لغير الفرْج اختلف هل يبقى الثوب عنه ليراه الرجال، أو يكفي النساء، هذا في الحرة، وأما الأمة في عيب الفرْج، والأمة فاتت أو غابت، أو القائم بالعيب هو الذي أتى بالنساء يشهدن، فلا بد من امرأتين ولا يمين عليه أو الحاكم الكاشف عن ذلك، فهل تقبل امرأة واحدة، أو لا بد من امرأتين‏؟‏ قَولان، وإن كان العيب مما يعلمه الرجال كالبكارة، يقول‏:‏ وجدتها ثيِّبًا، وكذلك البائع، ولم يتول الحاكم كشف ذلك، فلا بد من امرأتين واختلف في الدين، وأما شهادتُهن بانفرادهن فيما يقع بينهن في المآتم ونحوها فقولان‏:‏ الجواز ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ على الصبيان، وإن لم يكونا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ والمنع لعدم المصلحة الشرعية بخلاف الصبيان، قال وأرى إن ثبت ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ فخرجت ويقتص وإن عدل منهن اثنان اقتص بغير قسامة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏عيب الفرج ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ شيء قليل هاهنا، واختلف في قبول امرأة واحدة فيما يختص بالنساء مع اليمين وإن شهد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ حلف المشتري ورد أحد القولين‏.‏

تنبيه‏:‏ قال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ في أحكام الأبدان، وقال ‏(‏ح‏)‏ يقبل في أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الحدود ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ القَوَد في النفس أو الأطراف‏.‏ لــنا‏:‏ أن الله تعالى ذكر في المداينات رجلين، ‏(‏فَإن لَم يكُونَا رَجُليْن فَرجُلٌ واَمرَأَتَانِ‏)‏ فكان كل ما يتعلق بالمال مثله، وقال تعالى في الطلاق والرجعة ‏(‏وأَشْهِدُا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم‏)‏ وهو حكم بدني، فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلاَّ موضع لا يطلِّع عليه الرجال‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا نِكاحَ إلا بولي وشاهِدَيْ عَدلٍ‏)‏ احتجوا‏:‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَاسْتَشْهِدوُا شَهِيدَيْنِ من رِجَالِكُم فإنْ لم يَكُونَا رَجُلَيْن‏)‏ الآية، فأقيم الرجل والمرأتان مقام الرجلانما عند عدم الشاهدين، وهو باطل لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا، فتعين أنه تعالى أقامها في التسمية فيكونان مرادَيْن؛لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏وشاهِدَيْ عَدْلٍ‏)‏ لوجود الاسم ولأنه تعالى قال ‏(‏فرَجُلٌ وامْرَأتَان‏)‏ وما خص موضعا، ولأنَّها أمور لا تسقط بالشبهات فقُبل فيها النساء كالأموال، ولأن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل النساء كالإجارَة، ولأن الخيار والآجال ليست أموالا ويقبل فيها النساء، ولأن الطلاق رافعٌ لعقد سابق فأشبه الإقالة، ولأنه يتعلق به تحريم فيقبلنَ فيه كالرضاع وكذلك العتق كإزالة ملك كالبيع‏.‏

والجــواب عن الأول‏:‏ أن معنى الآية‏:‏ أنَّهما يقومان مقام الرجلين في الحكم بدليل الرفع‏.‏ ولو كان المراد ما ذكرتم لقال‏:‏ فرجلا وامرأة بالنصب؛ لأنه خبر كان، ويكون تقديره‏:‏ فإن لم يكن الشاهدان رجلين، فيكونان رجلا وامرأتين، فلما رفع على الابتداء كان تقديره‏:‏ رجل وامرأتان‏:‏ يقومان مقام الشاهدين فحذف الخبر‏.‏‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنَّ آخر الآية مرتبطٌ بأولها وقال تعالى في أولها‏:‏ ‏(‏يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُسَمَّي فَاكْتُبُوه‏)‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏وأَشْهِدُوا إِذَا تَباَيَعْتُم‏)‏ على أن العموم لو سلمناه لخصصناه بالقصاص على جِراح القَوَدِ بجامع عدم قبولهم منفردات، ولأن الحدود أعلاها الزنا وأدناها السرقة، وما قُبل في أحَدهما يُقبل في الآخر، فكذلك الأبدان أعلى من الأموال، فلا يُقبل فيها ما يقبل في الأموال، ولأن القتل وحد السرقة وحد الخمر ليس بثابت، ولأنَّا بالقياس على الزنا لا عدم اشتراط أربعة فيه، ولا بالقياس على الأموال لأنها لا تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق‏.‏

وعن الثالــث‏:‏ الفرق بين أحكام الأبدان أعظم رتبة، ولأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه كالقصاص، ولأنَّا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية فيه، ولم يدخل الأجل والخيار والهبة‏.‏

وعن الرابــع‏:‏ أن المقصود من الإجارة المال‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أن مقصوده أيضًا المال بدليل أن الأجل والخيار لا يثبتان إلا في موضع فيه مال‏.‏

وعن السادس‏:‏ أنه حل عقد لا يثبت بالنساء كما تقدم، والإقالة حل عقد يثبت بالنساء والنكول، أيضا مقصود الطلاق غير المال، ومقصود الإقالة المال‏.‏

وعن السابـع‏:‏ أن الرضاع يثبت ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الطلاق والعتاق إزالة إلى غير الملك بخلاف البيع‏.‏

تنبيه‏:‏ تقبل شهادة امرأتين في الدين خلافال‏(‏ش‏)‏ لأنَّهما قد أقيمتا مقام رجل والرجل يحلف معه، ولأنَّهما قد انضم إليهما غير جنسهما احترازًا من كثرتِهن، فيثبت الحكم كالرجل مع اليمين‏.‏ احتجوا‏:‏ بأن شهادة الرجل معهن مما يزيد صدقهن، فإذا انفردتا أسقطت لانتفاء المقوي، وجوابهم‏:‏ أنكم تقبلون أربعًا في الأموال مع عدم الرجل، فدل على عدم اعتباره، وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ في قبولهن مفردات في الرضاع لكونه معنى لا يطلِّع عليه الرجال غالبًا فيجوز ذلك كالولادة والاستهلال، وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ في قبولهن منفردات فقال‏:‏ لا بد من أربع، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن كانت الشهادة ما بين السوءة والركبة قَبِل فيها واحدة، وقَبِل ابن حنبل الواحدة مطلقًا فيما لا يطلِّع عليه الرجال‏.‏ ولنا‏:‏ أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على انفراد كَفَى منه شخصان كالرجال، ولا يكفي منه واحدة كالرجال، وكسائر الحقوق، ولأن شهادة الرجال أقوى وأكثر، ولم يكف واحدة، فالنساء أولى‏.‏ احتجوا‏:‏ بما روى عقبة بن الحارث قال ‏(‏تزوجت أُم يحيى بِنْتَ أبي لهب فَأَتَتْ أَمَةٌ سَوْداء فقالت‏:‏ أرضعْتَكُما، فَأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكرتُ ذلك لهُ فأعرضَ عني، ثم أتيتهُ فقلت يا رسول الله إنَّها كاذبة، قال كيف وقد زَعمتْ ذلك‏)‏ متفق على صحته، وعن على رضي الله عنه أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضاع‏:‏ ‏(‏شهادة امرأة واحدة تجزئ‏)‏ وقياسًا على الآية، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏شهادة امرأتين كشهادة رجُل في الموضع الذي تَشْهَد فيه مع الرجُل‏)‏‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنه حجة لنا، ولأن المرأة الواحدة لو كفت لأمره بالتفريق كما لو شهد عدلان بحكم ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ صلى الله عليه وسلم وغيره من الأحكام يجب عليه تنفيذه لا سيَّما في استَباحة الفروج، فلا يدل على ذلك أن الواحدة كافية في الحكم، بل معناه أنه من قاعدة أخرى وهي‏:‏ أنَّ من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يقضي به الحاكم أم لا، فإن ذلك الشيء يحرم عليه، فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان، حرُم عليه الأكل، وأنَّ الطعام نجس حرُم عليه أكله، ونحو ذلك، وإخبار الواحدة يفيد الظن، فأمره صلى الله عليه وسلم بطريق الفتيا لا بطريق الحكم والإلزام‏.‏

وعن الثانــي‏:‏ أنه معارض بأدلتنا المتقدمة‏,‏ أو يحمل على الفتيا‏.‏

وعن الثالــث‏:‏ كذلك أيضًا‏.‏

وعن الرابــع‏:‏ الفرق أن الرواية ثبتت حكمًا عامًّا في الأمصار والإعصار، فليست مظنة العداوة، فلا يشترط فيها العدد، والرجل الواحد لا يقبل في الشهادة اتفاقا‏.‏

وعن الخامس‏:‏ أنه إنما يدل بطريق المفهوم، أيْ إذا لم يكونا مع رجل لا يكونان بشهادة رجل بل بشهادة رجلين، فتكون كل واحدة كرجل، وهذا لنا عليكعليكم‏.‏

فرع مرتب

قال صاحب المنتقـى‏:‏ إذا لم يقبلن في الطلاق والعتق، فإن شهـادة امرأتين توجب اليمين على الزوج أنه ما طلق، والسيد أنه ما أعتق؛ لأنها شبهة كالرجـل الواحد‏.‏

الفرع الثالــث

قال صاحب المنتقى‏:‏ اختلف في القائف هل هو من باب الشهادة أو من باب الخبر ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يكفي الواحد لأنه شهادة، وعن ابن القاسم‏:‏ يكفي الواحد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ خبر ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ويلزم على هذا قبول قول العبد ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قال‏:‏ وهو الأظهر إذا سأله الحاكم عنه لحقارة العبودية، ولا يلزم دَور، ويتضح التخريج ونصوا بحقائق معلومة، ومع الجهل بِهذه الضوابط أمكن أن يقال في شيء ليس مترددا بينهما‏:‏ هو متردد، كما أن من جهل المإلىة والآدمية أمكنه أن يقول‏:‏ أنا أمنع قتل الوالد بولده لتردد الوالد بين المإلىة والآدمية، وبالجملة، الإحاطة بِهذا أمر مُهِم، فتعين على الفقيه تحصيله، وأكثر الفقهاء لا يعلم هذه الحقائق إلاَّ آثارها التي هي متوقفة عليها، فعلمها من قبلها دَور وفساد فقه‏.‏ والله أعلم‏.‏

نظــائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ المتردد بين الشهادة والخبر سبعة‏:‏ القائف، والترجمان، والكاشف، عن البيِّنات، وقائس الجرح، والناظر في العيوب كالبيطار والطبيب، قال ابن حبيب‏:‏ ولو كان البيطار فاسقًا؛ لأنه علم وضعه الله فيه، والْمُسْتَنْكِهُ للسكران إذا أمر الحاكم بذلك، وأما الشهادة على الشرب فلا بد فيه من اثنين كالتقويم لسلع، والعيوب، والرقبة، والصيد في الحج، واختلف في الحكمين فقيل‏:‏ اثنين، وقيل واحد لأنه حاكم‏.‏

الثامن فــي موانع قبول شهادة العدول

وهي عشرة‏:‏

المانـــع الأول تُهمة القرابة والنكاح وفي الكتــاب‏:‏ تجوز شهادة الأخ، والأجير، والصديق الملاطف إلا أن يكونوا في عياله، والمولَى لمن أعتقه دون ابنه، وأبيه، أمه، وعبد ابنه، والزوج، والزوجة، والْجَد، وابن الجد، ولا تَجوز شهادتُهم له، ولا في تجريح من شهد عليه في التنبيهات‏:‏ الملاطف‏:‏ المختص بالرجل الذي يلاطف كل واحد منهما صاحبه، والملاطفة‏:‏ الإحسان والبر، وهو أحد معاني تسميته تعالى لطيفًا، ولو كانت الملاطفة من أحدهما كانت مسألة الأخوين الذي ينال أحدَهُما بِرُّ الآخر، واشترط مرة التبريز في الآخر ولم يشترطه أخرى، وقيل في اليسير دون الكثير، والمبرِّز بكسر الراء المهملة من البارز في حملة السباق أي تقدم على أقرانه، قال اللخمي في الصديق‏:‏ المنع لمالك إذا كانت تنالُه صلتُه، وإلاَّ جازت، وجوَّزَه ابن كنانة في اليسير، ويمتنع الملاطف للملاطف وغيره، وقيل‏:‏ تجوز مطلقًا، وقال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ معنى الذي ليس في عياله من الأُجراء، هو الأجير المشترك نحو الصباغ ومَن جَميعُ عملِه لكً، ويدفع إليه مؤنته، امتنعت شهادتُه بشهادته كان في عيالك أم لا، وقال ابن القاسم‏:‏ الأخ يعدل، ومنعه أشهب، لأن تعديل أخيه شرفُ له، قال ابن حبيب‏:‏ تجوز شهادتُ لمن هو في عيالك لعدم التهمة، وقيلأن كان الذي في العيال قريبًا كالأخ ونحوه، امتنعت شهادتك له؛ لأنك تدفع بذلك النفقة عنك، وكونك لا تنفق عليه معرة عليك بخلاف الأجنبي، قال‏:‏ وهذا استحسان، ولا فرق بينهما، وتمتنع شهادتُه لجده أو جدته من قبل الرجال والنساء؛ لأن الجرَّ إليهم جرٌّ له، والدفع عنهم دفع عن نفسه‏.‏

قال أصبــغ‏:‏ يمتنع نقل الأب عن الابن عن الأب وإن كانا مشهوري العدالة، وكل من لا يعد له لا ينقل عنه؛ لأن النقل عنه تقرير لشهادته وعدالته، وجوز مُطَرف النقل؛ لأنه لا يمتنع به إلا المشهود له دون التعديل؛ لأنه ينتفع المعدل ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ وجوَّز عبد الملك شهادة الابن مع أبيه، قال مالك‏:‏ ولا يشهد لأحد أبويه عن الآخر إلا أن يكون مبرزًا، ويشهد في يسير، وجوَّزه ابن نافع إلا في ولاية الأب، أو يزوج على أمه ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أن يكون غصب لأمه، وقال سحنون في والدين مسلمين شهدا على غريم لابنهما وهو كافر؛له ولد كافر، يمنع؛ لأنها شهادة لأخيهما الكافر بالمال فلا للتهمة، وعلى هذا لو شهدا أن أباهما العبد جَنى جناية امتنع؛لاتهامِها في إخراجها من ذلك المالك، قال ابن القاسم‏:‏ لو شهد أربعة على أبيهم بالزنا لم يقبلوا لاتهامهم على الميراث ويُحَدون، وقال أشهب‏:‏ إنْ كان الأب عديمًا أو حده الجلد جاز، ومنع أبو بكر اللباد إذا كان معدما؛ لأن نفقته تلزم فتزول بالرجم، قال أشهب‏:‏ وشهادتهم أنه قتل فلانًا عمدًا كشهادتهم بالزنا وهو ثيب، قال ابن القاسم‏:‏ ويجوز على ولده أو والده إلاَّ أن يكون عداوة إلاَّ في طلاق ضرة أمه، وأمه حية أو مطلقة، بخلاف إن ماتت، وتجوز لابنه الكبير على ابنه الصغير إلا أن يتهم بالأثرة والميل إليه، ويمتنع لصغير أو سفيه كبير على كبير؛ لأنهما مظنة الشفقة، وقاله سحنون‏:‏ ثم رجع للمنع في حق الابن مطلقًا لما جاء من السنة في منع الشهادة للابن، ومنع القاسم لزوجه أبيه، ولابن زوجته، وأم امرأته وولدها، وكذلك شهادة المرأة لابن زوجها، قال أصبغ‏:‏ ليس هو بالبين، وجوزها سحنون لوالدي امرأته وولده إلاَّ أن يلزم السلطان ولَدها البينة عليها لضعف زوجها عن ذلك، وجوز شهادته لزوج ابنته وأبي زوجها ولأمه ولأبيه وامرأته التي فارقها وإن كان له منها ولد دون تزكية لها، وعنه إن كان مليًا لا يحتاج ولده لأنه جاز، وإلا فلا، وكل شهادة تجلب نفعا لمن لا تجوز الشهادة له تمتنع عن ابن القاسم دون سحنون، وعن مالك‏:‏ تمتنع شهادتك لأخيك كان في عيالك أو كان عياله عيالك إذا أصبت شيئًا ناله منه، وتجوز شهادتك لعمك وخالك وابن أخيك إلا أن تكون أنت في عياله، وإن كان في عيالك جازت في الحقوق إلا في القصاص وما فيه جملة وتتمه، وكل من جازت لك شهادته جازت لك عدالته، ومن لا فلا، وفي الموازية‏:‏ تجوز شهادته‏:‏ أن فلانا قتل أخاه إن كان الولي والوارث غيره، وقيل‏:‏ يجوز للأخ مطلقًا، إلا أن تناله صلته، قال ابن القاسم‏:‏ تمنع شهادة القرابة والموإلى في الرابع التي يتهمون فيها بالجر إليهم أو إلى بنيهم ولو على بُعد، مثل حُبُس مرجعهُ إليهم وإلى بنيهم، قال اللخمي‏:‏ يمنع للأجير إذا كانت نفقتك عليه تطوعًا أو من الأجرة؛ لأنك تخشى إن لم تشهد له يتركك، وكذلك شهادة القصَار ونحوه للتاجر؛ لأنه يرجو منه أن يخصه بالعمل دون غيره من الصناع، وتجوز شهادة التاجر له إلا أن يكون مرغوُبا في عمله‏.‏

فـــرع

قال اللخمي‏:‏ إذا ردت شهادة الزوج لزوجته في العتق فإن كان عبدا فاختارت نفسها أُلزم الطلاق بإقراره بالعتق واختيارها، أو اختارت البقاء فهل يُمنع منها ليلا يرق ولده أم لا؛ لأن له حقًا في الإصابة، والتعدي من السيد في ثاني حال، قال‏:‏ وإن المنع إلا أن لا ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ويعزل عـزلا بينا، وكذلك إن كان حرًا يُختلف في تمكينه منها‏.‏

فـــرع

قال‏:‏ إن شهد أن زوج أمته طلقها أو أن عبده طلق امرأته رُدت؛لاتهامه بتفريقهما من الزواج، فإن صدقت الأمة السيد حَرم عليها تمكين الزوج‏.‏

فـــرع

قال‏:‏ يمنع لسيد أبيه وسيد ولده أنه باعه أو وهبه، وكان السيد مسيئًا، ثم ثبتت إساءته، أو الثاني ابن، وإلا جازت‏.‏

فــــرع

قال‏:‏ يختلف إذا شهد لأحد بنيه على الآخر وهما صغيران أو كبيران، أو صغير وسَفيه إذا لم يعلم حاله معهما؛ لأن العادة إخفاء المودة بين الأقارب حتى لا يتغيروا استبقاء لودهم، فقد يكون يحب أحدهما ونحن لا نعلم، وإلا فالسؤال متجه بسبب استواء المشهود عليه في الريبة، فهُما كالأجنبيين فلا تهمة، والفرق‏:‏ ما تقدم، وهو تعلىل المنع بين الأبوين، قال صاحب البيان‏:‏ لو شهد لولده على ولد ولده، رُد‏.‏ قولا واحدًا، ويجوز عكسه اتفاقا لانتفاء التهمة، قال في النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ الذين تمتنع الشهادة لهم من القرابة‏:‏ الأبوان، والجد،والجدة، والولد، وولد الولد من الذكور أو الإناث، وتجوز شهادة غيرهم‏.‏

فـــرع

قال اللخمي‏:‏ تجوز شهادتُه على أبيه بطلاق أمه، وهو ينكر ذلك، واختلف إن كانت القائمة بذلك، منعها أشهب؛ لأنها لأحد الأبوين، وأجازها ابن القاسم مطلقا من غير تفصيل أنكار أو غيره، واختلف إذا شهد بطلاق أمه وأمه حية مطلقة، ومنعها ابن القاسم وأجازها أصبغ‏.‏ وهذا إذا كانت منكِرة، فإن كانت قائمة بالشهادة والأم في عصمة الأب‏:‏ منعها سحنون وأجازها أصبغ، وقال‏:‏ والقياس‏:‏ المنع والأم في العصمة أم لا؛ لأن العادة عداوة الولد لامرأة أبية، قال صاحب البيان‏:‏ لا خلاف في شهادته على أبيه أو ابنه في الحقوق غير الطلاق، فلو شهد على أبيه أنه طلق زوجتيه إحداهما أمه وهي طالبة الطلاق والأخرى طالبة طُلقتها، كانت الشهادة واحدة منهما، اتحدت الشهادة أو تعددت لاتهامه في أمه بما رغب، وفي ضرتها بما يكره من رضا أمه، وإن كرهتها الطلاق امتنعت الشهادة إن كانت واحدة؛ لأنها تسقط في الضرة التهمة، وفي أمه لاتهامه في بعض الشهادة، فإن تعددت نفذت في أمه دون الأخرى، أو طالبتين الطلاق رُدت إن اتحدت؛ لأنها تسقط في حق أمه للتهمة، وفي الأخرى لاتهامه في بعض الشهادة، فإن افترقت نفذت للضرة، وترد لأمه؛ لأنه شاهد لها لما تطلب‏.‏

فـــرع

قال‏:‏ شهادة الأخ تمتنع فيما فيه له، أو عصب، أو ما يكسب حظوة ومنزلة، أو يدفع معرة، كتعديله أو تعديل من شهد له، وتجريح من جرحه، وفي الأموال أربعة أقوال، ثالثهما‏:‏ إن كان مبرزا جاز وإلا فلا، ورابعها‏:‏ يجوز في اليسير، وقال‏:‏ وأدى الرد في الكثير الذي يؤدي إلى شرفه، ويجوز في الوسط إن كان مبرزا، ويرد في اليسير من غير المبرز، ومتى كان الأخ المشهود له والمشهود عليه مقابحة توجب الحمية، رُدت مطلقا، ويختلف في جراح الخطأ كما تقدم في المال؛ لأنها مال، والمذهب‏:‏ المنع في جراح العمد؛ لأنها موطن الحمية، وأجازها أشهب، وحيث منعنا الشهادة منعا تعديل من شهد للأخ بذلك، وتجريح من جرح شاهده، أو شهد عليه‏,‏ وكل من لا تجوز الشهادة له لا تجوز لغيره بمال قال صاحب البيان‏:‏ لا خلاف في شهادة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ في المال وإن عظم إذا لم يكن في عيال المشهود له، وأجاز ابن القاسم شهادته في ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ومنع سحنون فيمن يتحمل بِنكاحه، ويحتمل أن يكون مفسرا بقول ابن القاسم، وظاهر قول ابن القاسم‏:‏ جواز تعديله ونفيُ التجريح عنه‏.‏

فــرع

في النــوادر‏:‏ منع سحنون شهادة ابن الملاعنة لأبيه الذي نفاه؛ لأنه يتوقع منه استلحاقه‏.‏

فـــرع

قال أصحابنا‏:‏ تجوز شهادة الابن لأبيه أنه وكل فلانا، وكذلك الابن لأبيه، والجد والجدة وأحد الزوجين لصاحبه، وأما إن كان أجنبيا وكل أحدهم فيمتنع؛ لأنها شهادة يستوجب بها قبض المال‏,‏ وأنه وكل غيره عليه لا له، قال سحنون‏:‏ تجوز شهادة الابن أن أباه لما كان قاضيا حكم لهذا بكذا، وكذلك الابن، وكان يمنع ذلك ثم رجع للجواز لعدم التهمة‏.‏

قاعدة‏:‏ أصلها‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تُقبل شهادةُ خَصم ولا ظنين‏)‏ بالظاء المعجمة، وهو المتهم، والتهمة ثلاثة أقسام‏:‏ ملغاة إجماعا، كشهادة الإنسان لرجل من قبيلة أهل بلده، ومعتبرة إجماعا، وهي شهادة الإنسان لنفسه، ومختلف فيها هل تلحق بالأول لقصورها عن الثاني، أو الثاني لارتفاعها عن الأول، وهذه القاعدة هي منشأ الخلاف في جميع موانع الشهادة‏.‏

تنبيه‏:‏ وافقنا الأئمة في عمودي النسب علوا أو سفلا، وخالفونا في الأخ إذا انقطع لأخيه، وفي الصديق الملاطف‏.‏ لنــا‏:‏ الحديث المتقدم، ولهم الآيات الدالة على قبول الشهادة، والحديث أخص فيقدم، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ ابن حنبل في الزوجين، وخالفنا ‏(‏ش‏)‏ لنا‏:‏ الحديث المتقدم معتضدا بقوله تعالى ‏(‏ومِن آياتهِ أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لِتسكنوا إليها وجَعَل بَينكُم مَوَدة وَرحمة‏)‏ وكل واحد منهما ينبسط في مال صاحبه أكثر من بسطه في مال أبيه وابنه، وهما يتوارثان، ولا يسقطان في الإرث كالابن والأب احترازا من غيرهما من القرابة، فإنهم يسقطون، فكان الشبه بعمودي النسب أقوى، والزوج يتجمل بمال امرأته والمرأة تتسع بمال زوجها، واحتجوا بعموم النصوص كـ ‏(‏ذَوَي عَدل‏)‏ و‏(‏شَهيدين من رجالِكُم‏)‏ من غير تفصيل، ولأن كل شخصين قبلت شهادتهما لهما، إذا لم يكن بينهما معاوضة، فقيل‏:‏ إذا كانت كالبيع والإجارة، ولأن عقد النكاح لا يزيد على ثبوت حق في ذمتها، وذلك لا يمنع الشهادة‏.‏ وغاية استحقاق الزوج لمنافعها ذلك، ولأن النكاح مندوب إليه فلا يكون سببا لإبطال الشهادة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن دليلنا خاص فيقدم على العمومات‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن مقصود البيع والإجارة‏:‏ المكايسة، ومقصود النكاح‏:‏ المودة والمكارمة، فحصلت التهمة،ولأنه سبب يوجب الإرث، وذلك دليل قوته بخلاف البيع‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن ثبوت الحقوق في الذمم لا يوجب مودة بخلاف النكاح‏.‏

وعن الرابــع‏:‏ أن المندوب إذا أفضى للتهمة منعها من جهة التهمة لا من جهة الندب، كالشريكين إذا ندبا للشركة كالمتساعدين في الحج ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر‏.‏

المانع الثانــي العداوة في الكتاب‏:‏ تجوز شهادة المسلم على الكافر، وفي الجواهر‏:‏ لا يُقبل العدو على عدوه، ويقبل له، والعداوة المانعة التي ليست من أسباب الدين، فالمنازعة في مال أو جاه التي تحمل الغصب، وتحمل على الفرح بالمعصية والغم بالسرور، والغضب لله لا يمنع، ككون المغضوب عليه كافرا أو فاسقا، فإنه يدل على قوة الإيمان، فهو أولى بأن يؤكد العدالة، قال الإمام أبو عبد الله‏:‏ إلا أن يسري ذلك إلى إفراط لذي الفاسد حتى يحقد الصدر فيعاديه حينئذ لنفسه لا لله فتُرد الشهادة إذا تحققت التهمة، ولو كانت عداوة الدين تمنع لما قُبلت شهادتها على الكافر، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ العداوة لا تمنع مطلقا،لـنـا‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا تُقبل شَهادةُخصم ولاظنين‏)‏ والظنة‏:‏ التهمة والعدو متهم علىعدوه، وقوله صلى الله عليه وسلم‏(‏ولاتقبل شهادة ذي الغَمر على أخيه، ولا الخائِن والخائنة‏)‏ ولا البائع لأهل البيت، والبائع‏.‏ قيل‏:‏ السائل، وقيل البائع لأهل البيت كالوكيل وغيره، والغمر‏:‏ الحقد، وهذا نص، قياسا على الولد بجامع التهمة احتجوا‏:‏ بالظواهر، نحو قولة تعالى‏:‏ ‏(‏ذَويَ عدل‏)‏ و‏(‏شَهيدينِ من رِجالكُم‏)‏ ولأن عدالته تمنعه أن يشهد على عدوه بالباطل، ولأنهما ليس بينهما سبب توارث فلا تمتنع شهادتهُ عليه قياسا عَلى غير العدو‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن دليلنا أخص من تلك العمومات فيتقدم عليها‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أنه ينتقص بغَمر ذي النسب، ولا نسلم أن العدالة تمنع إلا عند عدم المعارض‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق أن العداوة توجب التهمة بخلاف غير العدو‏.‏

وفي الباب ثماني مسائل‏:‏

المسألة الأولـى، قال صاحب البيان‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا رُدت للعداوة لا يحلف، بخلاف الخلطة، وعن سحنون‏:‏ ذلك أكد من الخُلطة فيحلف، وهذا على الخلاف في الخلطة، هل لا‏.‏ تثبت به الحقوق، أو يكتفي فيها بالشاهد الواحد والمرأة الواحدة‏.‏

المسألة الثانية، قال‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا شهِد وَجَب عليه أن يخبر الحاكم بأنه عدو، وعن سحنون‏:‏ لا يخبر تنفيذا للحق، ولا يسعى في إبطاله، وهو الأصح، وقولهم‏:‏ لو سكت لكان ساعيا في إثبات الحكم بغير سببية، ضعيف؛ لأن الحق يصِل وهو المقصود، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا ادعى أنك تعلم أن الذي يشهد عليه بريح الخمر عدو له، أخبرت بذلك القاضي إلا أن يكون المشهود عليه أقر عندك أن الذي وجد منه خمر، فلا يخبره بذلك حتى يقام الحد، وكذلك إذا أقر عندك بالدين الذي شهد به عليه أعداؤه، ولا يخبر القاضي بذلك‏.‏

المسألة الثالثة، قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا سُجن صاحب السوق سكرانا لا يشهد عليه، وبسجنه صار عدوا، وكذلك إذا شهدوا بالزنا، وتعلقوا بالمشهود‏.‏ عليه، ورفعوه للسلطان؛ لأن الرفع والتعلىق لا يلزمهم، بل مكروه؛ لأنهم مأمورون بالستر فلا تنفذ شهادتهم عليه، وصاروا قذَفة يُحدون إلا أن يأتوا بأربعة غيرهم على شروط شهادة ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ موكلين بذلك صحت شهادتهم، وقال أصبغ ومطرف‏:‏ تُقبل شهادة الأولين؛ لأن الستر وإن أُمروا به إلا أنه لم يحرم عليهم ذلك فقبلوا إذا فعلوا ذلك لله، ولو شهدوا فيما يستدام فيه التحريم كالطلاق والعتق لجازت وإن قاموا؛ لأن القيام متعين، وقال بعض المتأخرين على قول ابن القاسم‏:‏ تُورد لاتهامهم في إتمام ما قاموا فيه‏.‏

المسألة الرابعـة‏:‏ قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ تجوز شهادة أعداء الوصي عن الصبي أنه جرح إنسانا، أو على الميت بدين إذا لم يكن بيد الوصي مال تؤخذ منه دية الجراح، أو كانت ديتُه أكثر من الثلث حتى تحمل العاقلة، وكذلك الدين يجوز قبل أن يصير المال بيد الوصي، أما بعد فلا، وتمتنع شهادة أعداء الأب على الابن، قال سحنون‏:‏ تجوز على الابن وكذلك أعداء الابن على الأب في المال دون القصاص والحدود، كذلك على الأخ، ووافق ابن القاسم سحنون أنها تجوز على الأخ في المال لخفته، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ تمتنع شهادة عدوك عليك، وتجوز على ولدك وإن كان في كفالتك، إذا لم يكن في شهادته حد أو قصاص؛ لأن ذلك يلصق بك، وكذلك الأم والجد‏,‏ ومنع عبد الملك شهادتهُ على ابنك مطلقا؛ لأنه يؤملك‏.‏

المسألة الخامسة‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا حدثت العداوة بعد الأداء قبل الحكم؛ لا يضر لتأخر المانع عن زمن الاعتبار، قال اللخمي‏:‏ إذا كانت عنده شهادة وهو يذكرها ثم عاداه، فاختلف في قبول شهادته، قال‏:‏ والقبول أحسن إذا كانت قيدت عنه حذر الزيادة والتغير، والقول الآخر يلاحظ أن الشاهد قد تكون عنده شهادة فيها ريبة فيتحدث بها قبل الأداء، ولا يذكر الريبة فيؤديها بعد العداوة مع الريبة المانعة‏.‏

المسألة السادسة قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا شهدت عليه فشهد عليك بعد ذلك وهو في خصومته، رُدت شهادته، وذلك بعد الشهرين ونحوهما من وقت شهادتك عليه‏.‏

المسألة السابعة، قال اللخمي‏:‏ إذا اصطلح المتهاجران‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ تُرد الشهادة لأحدهما على الآخر بقرب الصلح حتى تظهر البراءة من العداوة، قال ابن كنانة‏:‏ يجوز عقيب الصلح إن كانت الهجرة خفيفة في أمر خفيف، وقال محمد‏:‏ تجوز الشهادة إذا اصطلحا، ولم يفَرق، وقال عبد الملك‏:‏ إن سلم عليه ولم يكلمه‏:‏ امتنعت الشهادة‏.‏

المسألة الثامنة وفي الجواهر‏:‏ كل من لا تجوز شهادته عليك لا يزكي من شهد عليك‏.‏

المانع الثالث تهمة جر الشاهد النفع لنفسه في ضمن الشهادة وفي الكتــاب‏:‏ تمتنع شهادته لمكاتبه؛ لأن الكتابة له ولامرأته بالعتق؛ لأن ولده يبقى حرا بخلاف شريكه المفاوض في غير التجارة إذا لم يجر لنفسه، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن باع أحدهما سلعه بينهما من رجل، ولم يقبضها المبتاع حتى باعها البائع من آخر وقبضها الثاني، فلا تجوز شهادة الذي لم يتول البيع الأول بالشراء، وإن كان الثاني قد اشتراها بفضل ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الشاهد من الفضل شيئا، قال ابن يونس‏:‏ ينبغي إذا اشتراها بمثل الثمن الأول ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ قبول شهادته لعدم التهمة، ووجه الأول‏:‏ أنهما متفاوضان فكأنهما معا باعا من الثاني، ولا يُقبل قوله‏:‏ إن شريكه باعها من الأول، ويجب على المقر أن يعطي نصف الزائد عن الصفقة الأولى للأول‏.‏

فـــرع

في الكتــاب‏:‏ تجوز شهادة الوصيين أو الوارثين بدين على الميت، ويحلف الطالب مع الوارث الواحد إن كان عدلا ويستحق، فإن نكل أخذ من شاهده قدر ما يصيبه من الدَين لاعترافه بذلك، وإن كان سفيها امتنعت شهادته لسفهه ولم يرجع عليه لعدم نفوذ إقراره، وتجوز شهادة الوصيين أن الميت أوصى إلى فلان معهما؛ لأنه نفع لغيرهما، وقال غيره‏:‏ إن ادعى ذلك فلان ولم يجرُا بذلك لنفسيهما نفعا، وكذلك الوارثان فتجوز، وتجوز شهادة الوارثين على نَسب يلحقانهِ بالميت، أو دَين أو وصية، أو فلانا وصي، وإن شهد أن أباهما أعتق هذا العبد ومعهما أخوات أو زوجة الأب‏:‏ فإن لم يتهما في ولائه لذات جازت شهادتهما، وإن اتهمهما في جر ولائه، امتنعت، وتمتنع شهادة الوصي بديَن للميت؛ لأنه خليفة إلا يكون الورثة كبارا عدولا، ولا يجبر شهادته شيئا يأخذه، وتمتنع شهادة الوصي لورثة الميت بدَين لهم على الناس؛ لأنه الناظر لهم إلا أن يكونوا كبارا عُدولا، فإنه لا يتهم لهم، في التنبيهات‏:‏ قوله للسفيه‏:‏ ترد شهادته، ظاهره‏:‏ اشتراط الرشد في العدالة، وهو قول أشهب، ولم يشترطه مالك في كتاب التفليس، وقوله‏:‏ إلا أن يكون الورثة كبارا عدولا يقتضي اشتراط العدالة في الرشد، قاله بعض شيوخنا، حتى قال‏:‏ ومعناه عندي أن يكونوا مرضيين في أحوالهم، لا عدالة الشهادة، والقولان في المذهب في اشتراط الدَين في الرشد، وقال بعضهم‏:‏ أراد بالعدالة الوجه الذي لا يختلف فيه أنه لا يحجر عليهم، فتنتفي التهمة عن الوصي، وإذا لم يكونوا عدولا فهم مختلف فيهم، فيتهم الوصي لكون الورثة معرضين للإيصاء، قال ابن يونس‏:‏ يحلف مع الوارث العدل‏:‏ إن حقه لحق، وإنه ما قبض من الميت شيئا منه، ولا أسقطه عنه‏.‏ وقوله‏:‏ يأخذ منه نصيبه‏,‏ يريد إذا أقر الشاهد أن الدين باق على‏.‏ الميت، وأن يأخذ منه شيئا حتى حلف‏:‏ أنه ما قبض منه ولا أسقطه عنه، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا احتضر فقال‏:‏ ما شهد على به أنه من دين أو شيء فهو مصدق إلى مائة دينار، ولم يوقت وقتا، ثم مات فشهد الولد لقوم، فلا بُد من اليمين إن كان الولد عدلا، وإن لم يكن عدلا، أو أنكل المشهود له؛لزم الولد نصيبه من الدَين، وإن كان سفيها امتنع إقراره من ميراثه، ولم يحلف الطالب، قال ابن القاسم‏:‏ لو شهد الولدان أن أباهما أعتق هذا العبد، وشهد أجنبيان أنه أوصى بالثلث ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ذان أنهما في ولا يته، امتنعت شهادتهما وإلا جازت، وفي النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا شهد ولي إلىتيم له وهو يخاصم قبل الخصومة أو بعدها في مال يلي قبضه لا تقبل قبل ولا بعد، ويُقبل فيما لا يلي قبضه؛ لأن القبض ولاية، وقد يقترض ويتجر فيها قبض فيتهم في ذلك، وإذا زالت الولاية قُبلت إلا أن ترد أو لا، قال مالك‏:‏ وتجوز شهادة الوصي على إلىتيم في زمن الآية كالوالد‏.‏‏.‏ وفي الجلاب‏:‏ المنع لأنه يتهم في راحة من ضبط المال، قال سحنون‏:‏ إذا أتيا بكتاب مختوم للقاضي ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ على وصيته وهما الوصيان، سألهما إن قالا‏:‏ قبلنا الوصية‏.‏ رُدت شهادتهما ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏

فـــرع

في الكتاب‏:‏ شهد أن فلانا كفيل لفلان، ولوالدهما بمال، أولهما ولفلان على فلان مائه بأنه لم يجر أحدهما لجر النفع بهما بخلاف شهادة بوصية أوصى له فيها بشيء تافه لا يتهم فيه فيجوز له ولغيره، وعنه‏:‏ لا يصح بعض الشهادة دون بعضهما، وعن مالك‏:‏ إذا اتهم امتنعت له ولغيره، وقال سحنون‏:‏ في هذا الأصل اختلاف عن مالك، وقال يحيي بن سعيد‏:‏ إن شهد معه غيره جازت له ولغيره، وإلا جازت لغيره دونه، وعن مالك‏:‏ لا تجوز له ولا لغيره مطلقا، في التنبيهات‏:‏ لا يختلف في رد شهادته لنفسه إذا أشهدهما بشيء له ولغيره، وإن كان الذي شهد به لنفسه حقيرا إلا ما في الموازية أنها تجوز له ولغيره إذا كان الذي له يسيرا كالوصية‏,‏ وقيل‏:‏ يجوز منها شهادته فقط تخريجا، ويحتمل أن ما في الموازية وقول ابن القاسم في الوصية‏:‏ إنه إن كان الشاهد فيها يبين أنه إن كان وحده حَلف المشهود له وأخذ ما شهد له به لنفسه؛ لأنه كخز واحد، وهو فيه يحكم اتبع، وقد حلف الآخر على تصحيح شهادته وإن معه غيره، أخذ الآخر حقه بغير يمين لاجتماع شاهدين له، وأخذ أيضا حقه بغير يمين؛لكونه تبعا لحق صاحبه؛ لم يختلف شيوخُنا أن هذا معني قول ابن القاسم، واختلف في تأويل قول ابن سعيد،قيل‏:‏ معناه‏:‏ إن كان وحده جازت لغيره مع يمينه،وامتنعت له،وإن كان معه غيره جازت لغيره بغير يمين،وله بغير يمين معاتبة بشاهدين، وقيل‏:‏ إن كان معه غيره كان معه لم يأخذ هو حقه إلا بيمين مع شهادة صاحبه وقاله مالك، ففي المدونة‏:‏ قولان لمالك وتأويلا قول ابن سعيد قولان آخران وإن كان ما شهد به لنفسه في الوصية كثيرا رُدت شهادته في الجميع على المشهور للتهمة، وقيل‏:‏ يجوز لغيره دون نفسه، وهو أحد الأقوال في الجلاب‏.‏

قال بعض الأندلسيين‏:‏ تجويزه هاهنا إن كان الذي له يسيرا مع المنع مطلقا إذا شهد أنه أوصى لابنه اختلاف، إذا لا فرق في التهمة، قال‏:‏ وليس كذلك؛ لأنه في القرابة إنما أجاب عن شهادة الأب لابنه، ولم يعترض للوصية، ولا فرق بين الوصية له أو إليه في تنفيذ يسير المال الذي لو أوصى له في جملة وصية لم يتهم فيه، أو تنفيذ عتق وشبهة مما لا يتهم فيه، أو هو لا يتشرف في الوصية له فيها يسير، بخلاف سائر الحقوق؛ لأنه ضرورة يخشى من تأخرها معالجة الموت، وقوله‏:‏ إذا شهد وارثان أن فلانا تكفل لفلان ولوالدهما لا يجوز، معناه‏:‏ في حق واحد، وأما في حقين تكفل لفلان بكذا، ولوالدهما في شيء آخر بكذا، فيجوز للأجنبي، قال التونسي‏:‏ إذا رُدت الشهادة للتهمة لم يجزُ للغير بخلاف إذا رُدت للسنة، كشهادته بمال وعتق فيجوز ما قابل المال دون ما قابل العتق؛ لأن الشاهد لم يتهم في صدقه بخلاف التهمة، وقال أصبغ‏:‏ إذا شهد كل واحد منهما لصاحبه‏:‏ أن الميت أوصى له بكذا، والكتاب واحد أو متعدد صحت الشهادة ويحلف كل واحد مع شاهده، قال ابن القاسم‏:‏ إذا شهد على وصية أوصى له فيها ثبت الثلث، والوصايا تحيط بالثلث، فإن كان الميت يداين الناس ويشك إن كان له على الناس ديون ثبتت،بطلت الشهادة،أو لايداين الناس جازت، قال ابن يونس‏:‏ إذا شهد في وصيتين مختلفتين لهما في إحداهما يسير، جازت الوصيتان وإلا رُدت فيهما، وعن مالك‏:‏ إذا أشهدهما أن ثلث ماله‏:‏ ثلث للمساكين، وثلث لجيرانه، وثلث لهما‏.‏ تجوز شهادتهما لأنها يسيرة، قال اللخمي‏:‏ في المدونة‏:‏ إذا شهد في ذكر حق له فيه شيء رُدت له أو لغيره، قال في المجموعة‏:‏ لأن أحدهما لا يأخذ منه شيئا إلا شاركه الآخر فيه، ولو اقتسما قبل الشهادة جازت شهادته، قال‏:‏ فعلى هذا تجوز شهادته في الوصية لغيره، وإن كثر ما يخصه منها إذا كانت الوصية لأحدهما بعبد، وللآخر بثوب مثلا؛ لأن أحدهما لا يدخل على الآخر فهي كشهادتين فلا تُرد شهادة الأجنبي، فإن قال‏:‏ أنا أعلم أن شهادتي لا تقبل في نصيبي، وإنما قصدت حق غيري، وذكرت ما أوصى لي به لأؤدي، أم جلس على ما وقع، فأولى أن تبطل في حق الأجنبي‏.‏

قال مطرف وعبد الملك‏:‏ إذا شهد بعض الشهود لبعض على رجل واحد في مجلس، امتنعت، أو شيئا بعد شيء جاز، أو على رجلين جاز في مجلس أو مجالس قال‏:‏ وأخرى ردها كانت على رجلين أو رجل في مجلس أو مجالس لفظًا أو بكتاب لاتهامهما على‏:‏ اشهد لي وأشهد لك، إلا أن يطول ما بينهما، قال مالك‏:‏ إذا شهدت عليه بمال في يدك‏:‏ أنه تصدق به على فلان، وفلان حاضر، جاز‏,‏ أو غائب، امتنعت؛ لأنها ملك على أقر لك المال في يدك، قال محمد‏:‏ سلم المال ولا تشهد لأنك إن شهدت رددت للتهمة فلا تقبل بعد ذلك إذا قدم الغائب لتهمة الرد، وإذا سلمته شهدت له إذا قدم، قال‏:‏ وأرى أن يثبت بالمال للحاكم، أو قلت له‏:‏ أوقفه حيث ترى أن تقبل الشهادة، ويكاتب المشهود له إلا أن تبعد غيبتهُ فيحلف صاحبه الغائب ويأخذ، فإن قدم حلف واسترجعه، ولو كان المال مما لا تتهم أنت في الانتفاع به عندك كالثوب، قُبلت الشهادة؛ لأن العبد لا يتهم في مثل هذا، وقد تسلف الدنانير، حكى صاحب البيان فيما إذا شهد بوصية له فيها شيء‏:‏ الأربعة الأقوال المتقدمة ثم قال‏:‏ هذا إذا كانت الشهادة على وصية مكتوبة، أما اللفظ نحو‏:‏ لفلان كذا، ولفلان كذا، والشاهد أحدهم، والذي له يسير، امتنعت شهادتُه لنفسه دون عيره، وقد يقال‏:‏ يبطل لغيره على رواية أشهب؛ لأنه روى أنه لا تجوز شهادتُه في وصية بعد الوصية التي له هو، وليس له في الثانية شيء، ومع ذلك منع الإشهاد به، قال محمد‏:‏ لا تجوز شهادتهُ في الثانية إلا أن يشهد أنه نسخ الأولى، ويجوز لغيره على قول مطرف‏.‏

فـــرع

في الكتــاب‏:‏ توفي أحد المسافرين من قبائل شتي وأوصى بوصية، تمتنع شهادةُ بعضهم لبعض فيها، وإن شهد على وصية فيها عتق ووصايا القوم، نفذت في الوصايا للقوم مع أيمانهم دون العتق، فإن ضاق الثلث فإنما لهم من الثلث ما فضل عن العتق، وإنما تبطل كلها لو شهد لنفسه فيها‏.‏ ولو شهدت‏.‏ أنه تصدق بما أودعك لفلان أو أقر به، حلف مع شهادتك واستحق إن كان حاضرا، وتبطل شهادتك إن كان غائبا خشية اتهامك بانتفاعك بذلك المال، قد تقدم كلام اللخمي على هذا في الفرع الذي قبله، قال ابن يونس‏:‏ إنما يتهم في الوديعة إذا كانت طيبة تنتفع أنت في مثلها بالمال‏.‏ في الموازية‏:‏ إذا أوصى لك بعبده ولهما ثبت ماله فشهدا عليك أنك قتلت الموصى له، ردت شهادتهما؛ لأنهما ينتفعان بهما في الثلث، ولو لم يوص إلا بثلاثة إذا جمع مع العبد لم ترد لارتفاع الحصاص، وجوزها محمد مطلقا؛ لأنه لا بد من الحصاص إما له وإما للورثة، وأما الجاهلان الظانان أن الحصاص يسقط عنهما بسقوطك فلا، قال محمد‏:‏ ولو شهد بأنك قتلت الموصي؛ لم ترد لعدم انتفاعهم؛ لأن الورثة تقوم مقام الميت، وقال ابن القاسم في المسلوبين‏:‏ تُقبل فيهما؛ لأن الشهادة لا تتبعض، وعن ابن القاسم‏:‏ تجوز في الجميع إذا كان ما للمشهود من المال يسيرا كالوصية، قال سحنون في أكرياء السفينة تعطب قبل البلاغ، وقد نُقد الكراء، شهد بعضهم لبعض ويرجعون عليه، ثم قال‏:‏ ليس هذا موضع ضرورة فلا تقبل؛ لأنهم كانوا يجدون من يشهد سواهم‏.‏

نظــائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ يجوز‏:‏ اشهد لي، وأشهد لك، في مسألتين‏:‏ المسلوبين وأهل المركب إذا كانوا ثلاثين، وقيل عشرين‏.‏

فـــرع

في الكتاب‏:‏ إذا شهد له أعمامه أن فلانا الميت مولى أبيه، ولم يترك ولدًا ولا موإلى، بل مالا، جاز؛لارتفاع التهمة، وإن ترك ولدا موإلى يتهمون بذلك على جر ولائهم يوما ما لتعددهم، امتنع، ولو شهد ابنا عم لابن عمهما على عتق، وهما يتهمان لقربهما في جًر الولاء، امتنع، وإن لم يتهما لبعدهما جاز، وإن كان الولاء قد يرجع إليهما يوما ما، قال في التنبيهات‏:‏ إنما يُراعى لو مات ابن العم الآن ورثاه، وأما بتناسخ وطول فلا‏.‏

فرع مرتب

قال صاحب البيان‏:‏ إذا ردت شهادة الوارثين في العتق إما لكونهما غير جائزي الشهادة، أو متهمين في جر الولاء فلا يلزم الشاهد، ثلاثة أقوال‏:‏ لا يعتق عليه حظه منه، ويستحب له بيعه فيجعله في عتق، فإن ملكه يوماَ ما عتق عليه، إن حمله الثلث، أو الشهادة في الصحة لمالك في المدونة، ويعتق عليه حظه، قال عبد العزيز بن أبي سلمة، ويقوم عليه أيضا لشركائه؛ لأنه متهم في شهادته على عتق نصيبه بغير تقويم، ومالك يرى أن العتق لا يصح تبعيضه لأن العبد يتضرر، وكذلك الشركاء، وواخذه عبد العزيز بإقراره في نصيبه‏.‏

فـــرع

في الكتاب‏:‏ تمتنع شهادة القاسم على ما قسم، والقاضي المعزول على ما حكم به، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إن ثبت أن القاضي أمرهم بالقسم جازت شهادتهُم، وإن لم يكن إلا قولهم‏:‏ إن القاضي أمرهم بالقسم فلا يقبل؛ لأنهم يتهمون على تنفيذ فعلهم قال صاحب البيان‏:‏ لم يصرح بأنه هاهنا يجوز قبل أن يُعزل، وهي لا تجوز وإن لم يُعزل، وإنما يجوز له التسجيل بما قضى وشهد عليه، ويُخبر بذلك على وجه الإعلام والإخبار؛لا على وجه الشهادة؛ لأنه يتهم قبل العزل وبعده على تنفيذ فعل نفسه فلا يقبل وحده، ولا مع غيره، قال مالك‏:‏ وإن أقمت شاهداَ على أنه قضى لك‏:‏ قال مالك‏:‏ لا تحلف معه؛ لأنه من باب أحكام الأبدان لا يقبل فيه إلا شاهدان، قاله في العتبية، وقال في المدونة خلافه؛ لقوله في الأقضية‏:‏ إذا وجد بعد العزل في ديوانه شهادة الشهود وأثبتها بحلف المطلوب بالله بأن ما في الشهادة على، فإن نكل حلف المشهود له، وثبتت له الشهادة فأثبتها باليمين والنكول، فأولى بالشاهد واليمين، ولا فرق بين ذلك وبين الحُكم، وفي النكاح الثاني إذا اختلف الزوجان في فريضة القاضي، صدق الزوج إذا أتي بما يُشبه، فإن لم يأت بما يُشبه الكل صدقت المرأة بما يشبه فاستحب المرأة باليمين مع، فظاهر المدونة‏:‏ أن حُكم الحاكم يثبت بالشاهد واليمين، بخلاف الشهادة على الشهادة، والأظهر من جهة النظر؛ لأن المقصود هاهنا المال، وهو يثبت بذلك، والشاهد واليمين في الشهادة على الشهادة لا يثبت به المال، ولا يجوز في كتاب القاضي الشاهد واليمين اتفاقا؛ لأنه من باب الشهادة على الشهادة، وفي النوادر‏:‏ منع سحنون شهادة القاسم، وفي الواضحة‏:‏ شهادة القاسم جائزة عند القاضي الذي أمره بالقسم دون غيره إن ذكر أنه أمره بذلك‏.‏

فـــرع

في البيان‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا كان له دين على المشهود له جازت شهادتك إن كان المشهود له موسرا وإلا فلا؛ لأنه تجرُ لنفسك، قال ابن القاسم‏:‏ وكذلك إذا كان له عليه حق؛ لأنك ترجو بشهادتك تأخيره، والساقط إلا أن تكون مليًا فتجوز، وهذا إذا كان الدَين حالا‏.‏ أو حلوله قريبا، وأما بعيدا فتجوز كالولي، وتجوز شهادته له فيما َعَدا الأموال، لا ينتفع بشهادته وفي دُينه بغير الأموال، وأما إذا كان الدين على الشاهد فالشهود له‏:‏ فقد أجازها أشهب، كان ملياَ أو مُعدما، ومنعه ابن القاسم كما تقدم، كان المشهود به مالا أم لا، وفي شهادتك لمن لك معه أو له معك قراض‏.‏ ثلاثة أقوال‏:‏ تجوز شهادة كليكما للآخر وهو‏.‏ ظاهر قول ابن القاسم، وقال أشهب كذلك إن كان العامل ملياَ بالمال، وإن كان مُعدما امتنعت، قال سحنون‏:‏ لا يجوز كل واحد منهما للآخر قبل تحريك المال في شراء السلع، وإن غره شغله جاز لتهمة النزع من يد العامل للمال بخلاف بعد الشغل‏.‏

قاعـــدة‏:‏ يقع التعارض بين الأصلىن كالقاطع لرجل بنصفين يدعي أولىاؤه الحياة قبل الجناية وهو الأصل، ويدعي الجاني الموت، والأصل‏:‏ براءة ذمته، والدليلان كالاثنين والخبرين المتعارضين، والظاهرين كالبينين، فإن ظاهر كل واحدة الصدق، والتزين للزوجين على متاع البيت ظاهرين الملك، والأصل والظاهر، الأصل‏:‏ الطهارة، وظاهر حالها النجاسة‏.‏ ويختلف العلماء، في أي ذلك يُقدم ونظائره كثيرة، وقد تقدم بسطه في مقدمة الكتاب ووهذه الفروع تعارض فيها ظاهران‏:‏ ظاهر عدالة العدل‏:‏ الصدق، وظاهر كونه مديونًا للمشهود له أو غير ذلك‏:‏ التهمة، وعدم الديون بالصدق، فيختلف العلماء أي الظاهرين يقدم، فهذه القاعدة تخرج عليها فروع كثيرة في الشريعة، فتأملها في مواطنها، وعليها تخرج مسائل موانع الشهادة في جميع هذا الباب‏.‏

فـــرع

في البيان‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا شهدت عليه بطلاق امرأته‏:‏ ليدفعن حقك إليك، وإنه حنث ترد شهادته لتعلقها بحقك، قال صاحب البيان‏:‏ والظاهر‏:‏ جوازهاح؛ لأن التطليق عليه لا يدعوه إلى تعجيل حقك‏.‏ إنما يدعوه اليمين لكنك لو شهدت عليه فذلك قبل الحنث رُدت شهادتك فردت‏.‏‏.‏ بعد الحنث لاحتمالأن يكون ذلك وقع واردت تحقيق دعواك ثابتا وهو ضعيف، قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا قضى القاضي بشهادتهما وعُزل، جازت شهادتهما‏:‏ أن القاضي قضى بكذا لضعف التُهمة، وروى عنه سحنون‏:‏ لا يجوز على الحكم لاتهامها أنه قبل شهادتهما وحكم بها ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ذلك لأنفسهما‏.‏ ويجوز على الشهادة يحكُم القاضي بشهادتهما؛ لأن الإشهاد على الحكم غير الحكم، ولم يُجزها عبد الملك مُطلقا‏.‏

فـــرع

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ بينكما عبد، شهد كل واحد منكما على صاحبه أنه أعتق، ترد؛لاتهامكما في التقويم، ولا يمين عليكما؛ لأن كل شهادة رُدت لعدم العدالة أو التهمة؛ لا يمين على المشهود عليه؛ لأنهما كالعدم والعتق لا يحكم فيه ابتداء،‏.‏‏.‏ وتقبل شهادتكما اتفاقا إذا لم يكن لكما غير العبد لعدم التقويم فلا تهمة، فإن كُمل نصاب الشهادة عتق على كل واحد نصيبه وإلا حلف، ومن ردت شهادته هل يعتق نصيبه لأنه مقر على نفسه‏؟‏ قولان لابن القاسم، والعتق في المدونة، وله قولان في لزوم اليمين إذا رُدت الشهادة؛ لأن ذلك أقوى من الخلطة‏.‏

فـــرع

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا كان لك مكتوب بحقِّ شاهداه أخواك فحضرك الموت ولا يترك غيرهما وابنتك، فسألتهما أن يهبا الحق للبنت أو أحدهما حتى تصبح شهادته فيه فيتصدق أحدهما على أخيه بنصيبه، ثم مات؛ لا تجوز شهادته فيما وهب من مالك في مرضك؛ لأنه ثبت له بالمرض فهو يشهد على تنفيذ هبته، وأجازها أصبغ؛ لأن الذي ثبت للوارث في المرض إنما هو الحجر دون الإرث، وهذه الهبة نافذة على جادة المذهب‏.‏

فـــرع

قال ابن القاسم‏:‏ إذا استحقت قرية بالعدول، وأدخل إلى تحديدها قرية إلى جانبها فشهد أهلُها أن القريتين لغائب، رُدت شهادتهم لانتفاعهم بإنقاذ قريتهم من يده‏.‏

فـــرع

قال في الموازية‏:‏ إذا أرسلتهما يزوجانك، أو يشتريان لك جارية، تُرد شهادتهما في ذلك؛ لأنه صنيعهما، وضعفه أصبغ، وقال محمد‏:‏ إن عقد النكاح رُدت، وإن شهدا على العاقد جازت‏.‏

فـــرع

قال ابن القاسم‏:‏ لا تقبل شهادة الرسولين على القابض بالقبض؛ لأنهما يدفعان عنهما معرة التهمة، وتقبل في أن المال وديعة لا سلف إذا نازعك المرسل إليه؛ لأنه أمر خارج عنهما، وفي أن ما تحت يده رهن لزيد، ولا يعلم الدين والرهن إلا من قوله، فيقبل قول الأمين في ذلك مع يمين الطالب إن شهد فبل بيع الرهن، ويمتنع بعده؛ لأنه يدفع الضمان عن نفسه‏.‏

فـــرع

قال أصبغ‏:‏ تمتنع شهادتهُ‏:‏ هذه الدابة لأبي مات وأوصى بها لزيد، وهي تخرج من الثلث؛ لأنه قد يلحق أباه دين فيجرُ ذلك نفعا‏.‏

فـــرع

قال‏:‏ إذا حسبت على أهل الحاجة من قرابتك حُبسا، فشهد فيه أهل العلم منهم والحبس يسير، ولا ينفع هؤلاء، إن احتاجوا جازت شهادتهُم وإلا ردت‏.‏

المانع الرابع تُهمة الحرص على القبول بزوال معرة الكذب، وفي الكتاب‏:‏ إذا أدى الصبي، أو الكافر، أو العبد، فردت شهادتهم لم تُقبل أبدا، وفي الجواهــر‏:‏ يمنع الشهادة الحرص على البراءة مما ينسب إليه من توهم الكذب كمن شهد فرد لنفسه ثم تاب فلا تقبل، وقاله ابن حنبل، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ يُقبل الكل إلا الفاسق لما أنهم يتهمون عن إظهار صدقهم والعوائد داله على ذلك، وبالقياس على الفواسق؛ لأنه روى عن عثمان وعلي من غير مُخالف من الصحابة‏.‏

احتجــوا‏:‏ بأن الثلاثة لا تسمع شهادتهم لما علم من صفاتهم، فما تحقق الرد وبه يظهر الفرق بينهم وبين الفاسق؛ لأنه تسمع شهادتُه، ثم ينظر في عدالته، فإن ظهر فسقه رُد، فيبقى طبعه يحثه على تنفيذ ما تعلق به أهله أولا، بخلاف الأول لم تتعلق آمالهم بذلك لا يلحقهم عار؛ لكون الفسق، ولأنهم لا يلحقهم عارُ يكون أحدهم صبيا أو كافرا أو عبدًا؛ لأنها أمور توطنت نفوسهم عليها بخلاف الفسق لا تسمع شهادتهم، يعني‏:‏ مقطوع به فيهم، والفسق يعلم غالبا بالاجتهاد، فلا يقبل تائبا بالاجتهاد في العدالة، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، وهاهنا ننتقل من معلوم إلى معلوم، فإن زوال هذه الأوصاف معلوم‏.‏‏.‏

والجــواب عن الأول‏:‏ أن الثلاثة قد لا يعلم الحاكم أحوالهم، ثم يسأل عنهم فيحصل السماعُ والرد، فلو لم يسمع منهم شيئًا حتى كشف عن أحوالهم فمُحال أن يتفق إذا حينئذ، ونحن نقول في هذه الصورة‏:‏ يقبلون بعد زوال تلك الأوصاف، وإنما الخلاف إذا أدوا، فسقط الفرع، بل نعكس ونقول‏:‏ لو حصل البحث عن الفاسق قبل الأداء قُبل إذا زال فسقه كما تقدم‏.‏

وعن الثانـــي‏:‏ أن العار يلحقهم بكونهم يحصرون عن التحمل والأداء ولا يعرج عليهم، فالنفوس الأبية ترتغم ذلك، بل الفاسق وهو أولى لعدم الارتغام والعار؛ لأنه اطرح الحياء ولا بأس ما يمكنه تركه، وهؤلاء مقهورون لنقصهم، فيكون الفاسق بعيدا عن الناس بخلافهم‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن الكافر يقبل بعد إسلامه عند كم، مع أن الإسلام غير معلوم بل ظاهر، فقد نقض الظن أو العلم السابق بكفره بالظن‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن العلة الأولى أخلفها علة أخرى وهي التهمة‏.‏

تفريـــع‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن جهل القاضي فأجازها في الحالة الثانية نقُض حكمه، ولو شهد أولا فلم يروا حتى تغيرت أحوالهم، قُبلوا لعدم ألم نفوسهم بالرد فلا تهمة، وقال أشهب‏:‏ إذا قلت للحاكم‏:‏ شاهدي فلان العبد، أو الكافر، أو الصبي، فقبِل شهادته، ثم تغير حاله، قُبلت شهادتُه؛ لأن ذلك فُتيا لا رد، قال بعض القرويين‏:‏ ينبغي أن يُعيدوا شهادتهُم بعد زوال نقصهم، قال ابن القاسم‏:‏ فإن حكم بشهادة العبد يظنه حُرا فقمت بذلك بعد عتقه، رد الحكم الأول، ويقام بها الآن، فشهد لك ثانيا، وقياس قول مالك وأصحابه‏:‏ إذا كان الثلاثة أصولا أشهدوا على شهادتهم، ثم انتقلوا إلى حالة القبول؛ لا تقبل شهادة الفروع لتحملهم عمن لا تُقبل شهادتهم، بخلاف إن شهدوا في الحال الثاني بما علموا في الحال الأول، قال‏:‏ وهذا يقتضي أن العبد الذي حكم بشهادته؛ لا بد أن يعيد الأول، قال سحنون‏:‏ أجمع أصحابنا أن كل من رُد بجرحة أو ظنة أو مانع لا يُقبل بعد ذلك إذا زال ذلك المانع؛ لأن قاضيا وحكم بردها‏.‏

المانــع الخامس تهمة الإحسان، وفي الكتاب‏:‏ لا تجوز شهادةُ من في عيالك لك، وكذلك السؤال إلا في القدر اليسير‏.‏ في النكت‏:‏ يجوز إذا كان المشهود له في عيال الشاهد، قاله في المجموعة‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ إن كان الذي في عيالك أخا أو نحوه امتنعت الشهادة له في مال؛ لأنه تندفع به نفقته عنه، وأنت تخشى من عدم النفقة عليه المعرة، بخلاف الأجنبي، قال ابن يونس‏:‏ لا ترد شهادة من تصيبه الحاجة فسأل بعض إخوانه وليس بالمشهور بالمسألة، قال ابن وهب‏:‏ لا تقبل شهادة الرجل الصالح يسأل الصدقة أو يسأل الرجل الشريف، ولا يتكفف الناس، وهو معروف بالمسألة بخلاف من يقبض الصدقة إذا خرجت من عند الإمام أو من وصية فُرقت، قال بعض أصحابنا‏:‏ تُقبل شهادة الفقير إذا كان يقبل الشيء من غير مسألة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ما أتاكَ من غَير مسألة فخُذه، فإنما هُو رزق رزقهُ الله‏)‏ فهو خارج عن باب السؤال، وقيل‏:‏ يُقبل في اليسير دون الكثير الذي هو نحو خمسمائة دينار إذا لم يكن ظاهر العدالة، قال اللخمي‏:‏ إن كان الفقير لا يقبل الصدقة قُبل في القليل، واختلف في الكثير نحو خمسمائة دينار إذا كانت بوثيقة؛ لأن القاعدة أن يقصد بالكثير طبقة غير هؤلاء، وأما إن قال‏:‏ سمعتهُ يُقر، قال‏:‏ أرى قَبولها، وكذلك إذا كان منقطعا في الصلاح، أو مشتهرًا بالشهادة أو يقصد الناس بالكتابة وقال ابن وهب‏:‏ يُقبل المعترض لإخوانه، وقال ابن كنانة‏:‏ إن كان يسأل في معصيته نزلت به، أودية وقَعت عليه؛ لم تُرد، وترد شهادة هؤلاء لمن عادته رفقة، وقال صاحب البيان‏:‏ المسألة العامة تُبطل الشهادة اتفاقا، والخاصة فيها قولان لابن وهب وغيره، وقال ابن وهب‏:‏ لا تقبل شهادة المعترض لصِلات الُولاة لقبح أموالهم اليوم إذا كان معروفا بالطلب‏.‏

المانع السادس تهمة بطلان الحق، قال صاحب البيان‏:‏ لا تقبل شهادة أهل البادية إذا قصدوا دون الحاضر في المبايعات، والنكاح، والهبة، والإجارة، والوصية، والعتق والتدبير؛ لأن العدول إليهم في هذه ريبة في أصل الحق، فلا شهادة لبدوي في الحضر على حَضري ولا بدوي إلا في الجراح ووالقتل، والزنا، والشرب، الضرب، والشتم، ونحوه مما لا يقصد الإشهاد عليه، بل يقع بغتة، وتجوز شهادتُهم فيما يقع في البادية من ذلك كله على الحَضري والبَدوي؛ لأن الموجود ثم ليس إلا عدولهم دون الحَضر، قال‏:‏ فعلى هذا الأصل لو حضروا فيما يقع بين أهل الحاضرة من المعاملات وغيرها دون أن يحضروا لذلك أو يقصد له، فشهدوا جاز، وعن مالك‏:‏ تُرد شهادة البدوي على الحضري لبَدوي مطلقا، كان في الحضرة والبدوية‏,‏ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تَجوز شَهادة البَدَوي على القَروى‏)‏ ومن هذا المعني‏:‏ شهادة العالم على العالم، فعن ابن وهب‏:‏ لا يُقبل القارئ على القارئ لما بين أهل العلم من التحاسد، وجوًز ابن القاسم شهادة البدوي في رؤية الهلال، قال مالك‏:‏ وإذا انقطع القروى في البادية وصار منهم، جاز شهادتُهم له، وفي النوادر‏:‏ إذا مات الرجل بالبادية، وكان يتجر بها قبلت شهادة أهلِ البادية لعبده أنه أعتقه، وجميع أموره إذا كان لا يجد غيرهم، ولولا ذلك بطلت حقوقه‏.‏

وفي الجــواهر‏:‏ قال الإمام أبو عبد الله‏:‏ التهمة إذا كتب خطه في الوثيقة أوفي الصداق وهو الحضر، بخلاف ما لو سمعهما يَتَقارران، أو في سفر، قال اللخمي‏:‏ لا يقبل البدوي إلا أن يعلم به كان مخالطًا للحضريين، أو يكون جميعهم مسافرين، وكذلك بين حضري وبَدوي إلا أن يكون البدوي من قرية الشاهد فيشهد بمداينةِ كانت في القرية أو في الحاضرة إذا كان معروفا بالعدالة وممن يَعول في المداينة على مثله، وقال ابن حنبل‏:‏ لا يُقبل البدوي مطلقا، لنا‏:‏ الحديث المتقدم، وهو في أبي داود، وبدوي لا يقبل شهادة بدوي على صاحب قرية، وهو مًحمول عندنا على توقع التهمة جمعا بينه وبين العمومات كقوله تعالى ‏(‏شَهِيدَين مِن رِجالكُم‏)‏ ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ الكتاب ويحمل الحديث على مَن لم تعلم عدلته من الأعراب، وهذا أولى؛ لأنه يُفضي إلى عَدم التعارض، وبما روى في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد عنده أعرابي على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس، ولأن من قبلت شهادته في الجراح قُبلت في غيرها أصله القروى، ولأن الجراح آكد من المال فهو في المال أولى‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن جمعنا أولى؛ لأنه لو كان لأجل عدم العدالة؛ لم يبق في تخصيصه لصاحب القرية فائدة، فَدل التخصيص على المراد التهمة‏.‏

وعن الثانــي‏:‏ نحن نقبلهُ في رؤية الهلال‏.‏

وعن الثالث‏:‏ الفرق‏:‏ أن القروى لا يتهم، والبدوي يتهم، ولأن الجراح في الغالب يقصد بها الخًلوات والمغفلات بخلاف العقود إذا عَدل فيها عن أهل بلده إلى بدوي، كان ذلك ريبة، فإن قيل‏:‏ الريبة فيمن اشهد لا في الشاهد قيل‏:‏ الريبة حصلت في بطلان الحق فيكون أجلد الشاهد عنه كذباَ فيرد‏.‏

وعن الرابــع‏:‏ أن الجراح أكل مسلم، ولكنها سلمت عن التهمة، والعقود فيها التهمة‏.‏

فائــدة‏:‏ البدوي منسوب للقرية، وهي الدُور المجتمعة، من قريت الماء في الحوض إذا جمعته، فكل مدينة قرية، وليس كل قرية مدينة؛ لأن المدينة من الإدانة وهي الطاعة، فإذا كان في القرية من يطاع من ولاة الأمر، فهي مدينة‏.‏

المانع السابـــع تهمة عدم الضبط من جهة التغفل‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ من لا يفهم ما يشهد فيه، أو تذهب عليه الأمور فيحمل الشيء على خلاف ما هو عليه، وقد يتلقن فيقبل التلقين، ورُب شيء يحمله فهم بعض الناس ولا يفهمه بعضهم، ورُب أمر يفهمه كل أحد، فالشيء الذي لا يلتبس، أو اللفظ الذي لا يتعلق بغيره، ولا يطول الخطاب معه يقبل منه، والقصص الطويلة أو ما فيها مراجعة لا يقبل فيها، ولعل ما فهم متعلق بما ذهب إليه‏.‏

المانــع الثامــن في الجواهــر‏:‏ الحرص على زوال التغيير بالتأسي والتسلي بأن يجعل غيره مثله كقصة زليخا، وقال عثمان رضي الله عنه‏:‏ ودَت الزانية أن النساء كلهن زوانًٍِِ، ونبه الله تعالى عليه بقوله ‏(‏وَلن يَنفَعكُم اليوم إذ ظَلمتُم أنكُم في العذاب مُشرِكون‏)‏ فلا يقبل المحدود فيما حُد فيه وإن صلُحت حاله‏.‏ قال سحنون وجماعة معه في الزاني والمنبوذ‏:‏ تُرد شهادتهما فيما يتعلق بالزنا واللعان والقذف‏.‏ وقبلهم كلهم ابن كنانة فيما حُدُوا فيه، قال الإمام أبو عبد الله‏:‏ وهو ظاهر الكتاب، وإطلاق غيره من الكتب، ولم يختلف المذهب في رد ولد الزنا في الزنا، وقبوله فيما يتعلق بالزنا والقذف، وظاهر الكتاب‏:‏ أن معرة الكبيرة يكفرها الحد، وتمحوها التوبة، والورع، والعفاف‏,‏ فيصير فاعلها كأنه لم يأت قبيحًا؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له‏.‏

المانــع التاسع تهمة الحرص على منصب الشهادة بالابتداء بها حيث لا تجب‏.‏ففي الجــواهر‏:‏ كالزنا وشرب الخمر، قال ابن القاسم‏:‏ يكتم ولا يشهد بها إلا في جرحة إن شهد على أحد، أو حق لآدمي فلا يبتدأ به، وإن لم يكن صاحب الحق يعلم، أعلمه بما له عنده من الشهادة، فإن بادر بها قبل طلبه لها لم يُقبل، قال الإمام أبو عبد الله‏:‏ إذا حلف على صحة شهادته قدَح ذلك في شهادته؛ لأن اليمين دليل التعصب والحمية والحرص على قبول الشهادة، قال صاحب البيان‏:‏ الصحيح‏:‏ عدم القدح إلا أن يتبين له مقصود قبل المشهود عليه، وقد أمر الله تعالى نبيه فيما ينقله من الشهادة بالحلف فقال ‏(‏قُل بَلي ورَبي لَتُبعثن‏)‏ ‏(‏فَوَرب السماءِ والأرضِ إنهُ لَحق مِثل مَا أنكُم تنطِقون‏)‏

المانــع العاشر تهمة الريبة‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا قال المريض‏:‏ كل شهادة أشهد بينكما فهي باطل، ثم شهد بينهما بعد ذلك وقال‏:‏ كنت مريضا أخاف ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ وسأل أبو بكر بن حزم القاسم بن محمد عن شهادة عنده فلم يذكرها، ثم ذكرها ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ ذكرت ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏كان ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ رددنا، قال مالك‏:‏ إذا أنكر ثم ذَكر، قبل أن كان مبرزا ولم يمر من طول الزمان ما ينكر، قال سحنون‏:‏ إذا قال‏:‏ أخبروني لأذكر، قُبل أن كان مبرزا، وإن قال‏:‏ ما عندي علم ثم رجع، فقد اختلف فيه قول مالك، قال ابن القاسم‏:‏إذاشهد بعشرة ثم رجع إلى خمسة عشر،قال ابن حبيب‏:‏ إذا كان بين العدالة، وكذلك إن نقص، قال صاحب البيان‏:‏ إذا كان ممن لا يتهم في عقله فما زاد أو نقص قبل الحُكم قُبل في المستقبل، ولو لم يكن في عدلته كذلك لم تُقبل في المستقبل، وهو ظاهر قول ابن القاسم في السرقة من المدونة، وفي كتاب الأقضية‏:‏ يؤدب مع إسقاط شهادته في المستقبل، وقال سحنون‏:‏ لا يؤدب الراجعُ عن شهادته قبل الحكم؛ ليلا يمتنع عن الرجوع إلى الحق، والحاصل فيمن اشتبه عليه فرجع قبل الحكم بشهادته، قُبل رجوعه، وفيما يستقبل أو بعد الحكم لم ينقض، واختلف في تضمينه، وفي رده في المستقبل، ويُقبل المبرز اتفاقا، وإن رجع ولم يأت بعُذر يشبه، وتبين بعده الزور‏,‏ أُدب ولم يقبل في المستقبل، رجع قبل الحكم أو بعده‏.‏ وقيل‏:‏ لا يؤدب إذا رجع قبل الحكم‏.‏